كل حدث وقع بالجزائر، عظم شأنه أو صغر، لا بد وأن ينسب للجيش الجزائري وللجنرال قايد صلاح تحديدا، إذا كان في مصلحته طبعا، هذه هي القاعدة العامة التي باتت تحكم المشهد السياسي بالجار الشرقي.
لنأخذ عينة عشوائية مما يحدث بالجزائر: تشدين مركب من طرف قايد صلاح، تدشين مطار من طرف قايد صلاح، إلقاء خطاب من طرف قايد صلاح.. ببساطة فالجنرال قايد صلاح بات شاغل الصحافة الجزائرية ومالئ دنيا الرأي العام، تراه أينما وليت وجهك.. كل هذا في غياب محير للرئيس الشبح عبد العزيز بوتفليقة.
حينما يستسلم رئيس للمرض، وتبدأ مطامع خلافته بادية للعيان من طرف قائد الجيش، فهذا لا يسمى فقط التموقع من أجل الاستعداد لخلافة الرئيس غير المرئي، إنما حملة لانتزاع كرسي الرئاسة متى ظهر ذلك مواتيا.
إقرأ أيضا : إقرأ أيضا: بوتفليقة يحضر الشعب الجزائري لإجراءات تقشفية صارمة!
حلف من أجل التخلص من توفيق
من يوقف قايد صلاح، نائب وزير الدفاع وقائد جيش التحرير الوطني قبل أن يحتل قصر المرادية بالجزائر؟ هل يكون سعيد بوتفليقة، أحد الماسكين بخيوط النظام الجزائري؟ وهو الذي وضع يده في يد القايد صلاح من أجل التخلص من رجل الجزائر القوي الجنرال محمد مديان الملقب بتوفيق، الرئيس السابق للمخابرات الجزائرية، الأخير لم يبد حماسا حينما تقدم بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية رابعة، فلم يغفر رجالات الرئيس تحفظات توفيق إزاء ولاية بوتفليقة الرابعة. كل هذا يعزز من حظوظ قايد صلاح، الذي تخلص من أقوى الجنرالات، ونعني بهم مثلا الجنرال حسن، المدان بخمس سنوات سجنا نافذا.
لأجل تحقيق غايته، لا يتردد قايد صلاح في قص أجنحة منافسيه، بدءا من الجنرال توفيق، أحد مهندسي سقطة 2015 المدوية، وهي خطوة تفرش له الطريق ورودا للرئاسة، فالجنرال توفيق هو من يلقبه الجزائريون بـ"رب الجزائر".
بكل تأكيد، لن يكون طموح قايد صلاح الاستمرار في النهج الذي رسمه الجنرال توفيق، وأن يظهر بصورة الجبار الماسك بخيوط الجزائر، سيما بالجيش والمخابرات، بل سيهندس لرسم مسار يمر بأقصر الطرق إلى قصر المرادية، وهو ما لا يرتاح له سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس.
ومن أجل قطع العلاقات بين قايد صلاح وداعميه السياسيين، وعلى رأسهم عمار سعداني، على رأس جبهة التحرير الوطني (حزب يمسك بزمام السلطة منذ استقلال الجزائر سنة 1962)، الذي تم الدفع به إلى الاستقالة في أكتوبر 2016، في خطوة تعكس أول صراع بين قايد صلاح والحلف الرئاسي.
إقرأ أيضا : إقرأ أيضا: بوتفليقة.. رئيس "شبح" يقود الجزائر
حرب بلا هوادة بين الإعلام المتصارع
هناك إشارات لا تخطئ أبدا: خرجات قايد صلاح تجد لها صدى في العديد من المنابر الإعلامية الجزائرية، باستثناء وكالة الانباء الرسمية. ولاستبيان ذلك، يكفي فقط استرجاع تاريخ 6 مارس، حينما دشن قايد صلاح قاعدة جوية من أجل "الحفاظ على الامن الحدودي الجنوبي للجزائر"، الخبر لقي انتشارا واسها في الصحافة الجزائرية، حتى إن وكالة "شينخوا" الصينية اقتبست الخبر.. لكن دون أدنى كلمة في وكالة الانباء الرسمية.
الأكيد أن وكالة الأنباء الجزائرية، التي توجد أزرار التحكم بها في قصر المرادية وليس في ثكنات الجيش الجزائري، تلقت أوامر صارمة من أجل عدم تغطية نشاطات "الحاضر دوما وأبدا" قايد صلاح، الذي بدوره يروق له الترويج على أنه "الجنرال المخلص".
بدوره فقايد صلاح، لا يتحرج من سياسة العصا والطبل من أجل غايته للوصول إلى كرسي الرئاسة، عبر الركوب على خطر الإرهاب، بعد العشرية السوداء خلال التسعينات، التي خلفت 250 الف قتيل، فصار الجنرال ينتشي في كل مرة يخوف فيها شعب الجزائر من خطر الإرهاب، مستفيدا من إعلام موال يسبح بحمده.. مثال ذلك ما جرى الاثنين الماضي، حينما فكك الجيش الجزائري شبكة كانت تنوي صناعة مواد متفجرة بولاية بومرداس، فصار الخبر ينتشر في إعلام قايد صلاح كالفتح المبين.
وفي ضرب صريح لواجب التحفظ، الذي يقتضيه وضعه كقائد للجيش الجزائري، لا يجد الجنرال صلاح أدنى مشكل في التدخل في الوضع السياسي لبلده، رغم أنه لا يخفي طموحاته السياسية.
لا يتوقف الجنرال صلاح عن إبهارنا بمواهبه، فاكتشفنا من خلال مجلة "الجيش" أن له ملكة كتابة عز نظيرها، وهو يوقع افتتاحية يقسم فيها أن لا طموحات سياسية لديه، بل وينكر أي تدخل منه في الشأن الجزائري، رغم أن العكس هو الحاصل.
إقرأ أيضا : إقرأ أيضا: الجزائر تواصل استفزاز المغرب وتخطط لحرب رمال ثانية
نظام ثنائي الرؤوس
لا يمر تحرك الجنرال قايد صلاح دون أن يثير انتباه المراقبين الدوليين، الذين يتحدثون عن "حرب" تدور رحاها بين حلف بوتفليقة وخصمه العسكري، غداة إلغاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارته للجزائر يوم 20 فبراير الجاري بسبب "عارض صحي للرئيس بوتفليقة"، حينها لم تتردد صحيفة "دير فيلت" الألمانية واسعة الانتشار في الحديث عن نية قايد صلاح التحضير لانقلاب عسكري، شبيه بالذي قام به المشير عبد الفتاح السيسي بمصر سنة 2014.
الأسوأ من ذلك، مجمل المصالح الاستخباراتية الدولية، لا تستبعد انقلابا عسكريا بالجزائر، في إسرائيل مثلا، "الانقلاب العسكري على الرئيس الحي /الميت لا محيد عنه" كما تتحدث عن حرب في القمة، وبوادر فوضى عسكرية بالجزائر، بحسب ما استقاه جيل سالم محلل "فلاش إسرائيل" الجريدة الإسرائيلية المقربة من "الموساد".."في وقت ينتمي فيه عبد العزيز بوتفليقة إلى عالم الأحياء الاموات، فالسلطات الثلاث، السياسية والاستخباراتية والعسكرية، تشحذ السكاكين بالجزائر"، حسب رأي الخبير الإسرائيلي.
مع إبعاد الجنرال توفيق وحل المصالح الاستخباراتية، باتت الثالوث المتصارع حول السلطة بالجزائر مقتصرا على ثنائية الرئاسة والجيش، مع وجود رئيس غير مرئي، بات لعاب الجنرالات الجزائريين يسيل حول الحصول على منصب الرئاسة، فالجيش لم تعد له رغبة في اقتسام السلطة. هذه الرغبة وصلت أكبر مدى لها مع الإلغاءات المتكررة لزيارات زعماء الدول للجزائر، بعد أنجيلا ميركل والرئيس الإيراني حسن روحاني، ناهيك عن عجز بوتفليقة استقبال ألفونسو داستيس، وزير الخارجية الإسباني، رغم أن هذه الزيارة وصفتها الصحافة الجزائرية بالرد الشافي على إشاعة وفاة الرئيس. لقد ظل ألفونسو بالجزائر طيلة اليومين الماضيين، دون أن يلتقي ببوتفليقة.. وفي ذلك تأكيد إضافي لاستعداد الجنرال قايد صلاح أن يصبح " سعادة الرايس صلاح".