ويأتي هذا التطور اللافت على خلفية تقارير وتحليلات استخباراتية كشفت عن شبكة ارتباطات متشعبة للجبهة الانفصالية مع وكلاء إيران وروسيا، وتنظيمات متطرفة تنشط في منطقة الساحل، مما يثير تساؤلات جدية حول تحول البوليساريو من حركة انفصالية، إلى كيان يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، استعرض برنامج « مساء Talk »، الذي يبث على قناة Medi1 TV هذه التطورات، حيث أشار مقدم البرنامج، الزميل عبد المولى بوخريص، إلى مقال تحليلي نشرته صحيفة « The Daily Signal » الأمريكية الإلكترونية، والذي كشفت فيه الصحيفة بتفصيل مثير، وبناء على معطيات ميدانية وتحليل استخباراتي، عن علاقات محتملة تربط جبهة « البوليساريو » بجماعات إرهابية تنشط في الساحل والصحراء، ودعم غير مباشر تتلقاه من إيران عبر أذرعها الإقليمية.
وفي مداخلته من واشنطن، أكد محمد سعيد الوافي، الصحفي والخبير في الشؤون الأمريكية، أن عنوان مقال « The Daily Signal »، « لماذا يجب على الولايات المتحدة مواجهة وكيل الإرهاب جبهة البوليساريو؟ »، يعبر بوضوح عن مضمونه، موضِّحا أن كاتبي المقال، « روبرت غرينواي » و « أمين غوليدي »، شخصيتان معروفتان بقربهما من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث عمل غرينواي في الأمن القومي خلال تلك الفترة.
وأضاف الوافي أن « المقال يسلم مبدئيا بأن البوليساريو فوق التراب الجزائري هي حركة إرهابية، وتعمل بالنيابة عن أطراف أخرى تشمل النظام الجزائري، وإيران، وحزب الله »، مشيرا إلى أن هذه المعلومات ليست جديدة بالكامل، مستشهداً بحادثة إسقاط طائرتين تابعتين للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عام 1988 من قبل « البوليساريو »، مما أسفر عن مقتل خمسة أمريكيين، وحادثة أخرى تتعلق بمقتل أمريكي تحت التعذيب في مخيمات تندوف في بداية الثمانينيات.
وأكد الخبير في الشؤون الأمريكية أن « الظرفية التي يأتي فيها هذا المقال خاصة جداً، حيث يوجد إجماع داخل عدة جهات أمريكية على ضرورة تصنيف « البوليساريو »، وإجماع داخل الأمم المتحدة على ضرورة إخراج الملف من اللجنة الرابعة وإنهاء مهمة المينورسو ».
من جهته، أكد محمد الغيث ماء العينين، الباحث في شؤون الصحراء، أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو « لماذا تأخر العمل بإلحاح على تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية؟ »، مشيرا إلى اعترافات صريحة من قادة « البوليساريو » بأعمال ترقى إلى الإرهاب، مثل قصف معبر الكركرات الدولي عام 2021، وقصف مدينة السمارة المدنية الذي أدى لاستشهاد مدنيين، وتصريحات محمد الوالي اعكيك لـ« ذي إيكونوميست » بأن القنصليات في العيون والداخلة والشركات العاملة في الصحراء المغربية أهداف مشروعة، وهو « توصيف، حسب القانون الدولي، للإرهاب ».
وشدد ماء العينين على أن البوليساريو تعتمد على ثلاث ركائز، أولها المال المتحصل من شبكات التهريب والجريمة المنظمة في الساحل، وثانيها البعد الإرهابي المرتبط بإيران وحزب الله وتنظيمات أخرى، وثالثها الملاذ الآمن الذي توفره الجزائر، معتبرا أن « الجزائر هي التحدي الأخطر، فهي الراعية والحاضنة والممولة لهذا الإرهاب والمستفيدة منه، وتسعى لاستنساخ النموذج الإيراني الذي يفاوض بأذرع إرهابية ».
ويجمع الخبراء على أن تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية سيكون له تداعيات وخيمة على داعمتها الأولى الجزائر، حيث ستواجه عزلة دبلوماسية واقتصادية متزايدة، فبتوفيرها الملاذ الآمن، والدعم اللوجستي والعسكري والمالي لجبهة ذات ارتباطات إرهابية مثبتة، تضع نفسها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، خاصة وأن التحالف الدولي لمحاربة « داعش » يعتبر إفريقيا التحدي الجديد، ويركز على منع الجماعات الإرهابية من إيجاد ملاذات آمنة.
ويبقى السؤال المطروح حسب المتابعين والمتخصصين، هو ما إذا كان هذا النقاش المتصاعد داخل الولايات المتحدة، مدعوما بتقارير وتحذيرات من عواصم أوروبية حول خطورة أنشطة « البوليساريو » وتحالفاتها المشبوهة، سيتحول إلى موقف رسمي من الإدارة الأمريكية والدول الغربية، يضع حدا لازدواجية الخطاب، ويتخذ إجراءات حاسمة ضد الجبهة الانفصالية وراعيتها الرئيسية.




