في الوقت نفسه الذي أكدت فيه وسائل الإعلام الرسمية يوم السبت إقالة رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي، الجنرال ناصر الجن، واستبداله بالجنرال عبد القادر آيت وعرابي، الملقب بـ«الجنرال حسان»، انتشرت شائعة أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن مدير الشرطة الجزائرية علي بداوي، الذي تم تعيينه قبل 16 شهرا فقط، قد تمت إقالته أيضا. بل تم الكشف عن اسم خليفته، حيث قيل إنه الحاج سعيد أرزقي، وهو ضابط سام في الشرطة كان يعمل تحت إمرته.
من المنتظر أن يتم التأكيد الرسمي لإقالة المدير العام للأمن الوطني الجزائري خلال الأيام المقبلة. لأن القاعدة التي تجعل من الشائعة المصدر الموثوق الأول في ما يتعلق بإقالة كبار المسؤولين الأمنيين الجزائريين، أصبحت راسخة الآن. وهكذا، يوم 27 دجنبر 2023، تداولت معلومات غير رسمية عن إقالة واعتقال الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الوطني، فريد زين الدين بن الشيخ، قبل أن يعلن التلفزيون الجزائري، في 8 يناير 2024، عن تعويضه بعلي بداوي، الذي أشرف وزير الداخلية إبراهيم مراد على تنصيبه.
مع إقالة علي بداوي، يكون الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد عين أربعة من رؤساء المديرية العامة للأمن الوطني، مع العلم أنه أقال في 16 مارس 2021 خليفة أونيسي، وحمله، من أجل تبييض الجيش وأجهزته السرية، مسؤولية الممارسات القمعية والمهينة والمذلة التي تعرض لها العديد من نشطاء الحراك الذين تم اعتقالهم على هامش المظاهرات التي هزت بقوة النظام الجزائري من عام 2019 إلى عام 2021.
وللإشارة، فإن إقالة فريد بن الشيخ واعتقاله واستجوابه تمت تحت قيادة ناصر الجن، الذي كان تولى مهامه في المديرية العامة للأمن الداخلي، على إثر المرض (السكتة الدماغية) الذي أصيب به كمال مجدوب كحال.
وفي اليوم نفسه الذي تم فيه تنصيب الجنرال حسان رسميا مديرا عاما للأمن الداخلي، تم الإعلان عن إقالة بداوي، الذي تم استقطابه من قبل ناصر الجن.
وقد تمت عملية تسلم السلطات بين ناصر الجن والجنرال حسن في جو مشحون، إذ تمت من دون أدنى حضور لكاميرات التلفزيون، وتم الإعلان عنها من خلال بلاغ صحفي مقتضب صادر عن وزارة الدفاع. وهذا في حد ذاته أمر غير مسبوق، حيث أن جميع أنشطة رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، عادة ما تتصدر عناوين وسائل الإعلام، ويتم عرضها مرات عديدة في التلفزة.
إن التعتيم على حفل استبدال ناصر الجن، الذي أشرف عليه شنقريحة، هو مؤشر على انعدام الثقة والصراعات المستمرة بين مختلف أجنحة الجيش، ويوحي بأن إقالة ناصر الجن لم تتم في ظروف هادئة.
المؤكد هو أن رئيس أركان الجيش الجزائري الحالي يحاول بشكل أخرق الاستفادة من إرث سلفه قايد صالح، الذي قام، من أجل تثبيت سلطته، بتفكيك وإنهاء هيمنة دائرة الاستعلام والأمن (التي تم حلها). ولم تكن هذه الأخير ترأس جميع أجهزة الاستخبارات فحسب، بل كانت أيضا يسيطر على جنرالات الجيش ورئيس الجمهورية نفسه.
لكن في الوقت الذي قام فيه قايد صالح بتفتيت أجهزة المخابرات، مع الحفاظ على قدر معين من التنسيق بينها، أرسى شنقريحة حالة من الفوضى الشاملة والرعب لصرف الانتباه عن عدم كفاءته في قيادة الجيش. إن عدم كفاءة شنقريحة لم تعد سرا، وأظهر العديد من الجنرالات ازدراءهم له بشكل علني. وكان قائد القوات البرية السابق الجنرال عمار عثامنية يتحدث بصراحة عن القرارات التعسفية التي يتخذها رئيس الأركان. تمت إحالته على التقاعد، رغم أنه، حسب المصادر المتطابقة، يعد من أفضل الجنرالات في الجيش الجزائري.
في الفترة ما بين أبريل 2020 وماي 2025، سجلت خمسة عشر حالة إقالة لمسؤولي أجهزة الاستخبارات، بمعدل إقالة واحدة كل أربعة أشهر. يضاف إلى ذلك التغييرات العديدة التي هزت القيادات المركزية والإقليمية المختلفة للجيش.
من المستحيل أن نجد عدم استقرار في أجهزة المخابرات والأمن مثل الذي نجده في الجزائر في أي بلد آخر في العالم. تبون وشنقريحة يعينون ويقيلون رؤساء الأجهزة الأمنية دون أن يأخذا بعين الاعتبار أنهما استنزفا أجهزة المخابرات في بلدهما. ويرى العديد من المراقبين أن تكون سرعة غضب تبون وإدمانه على الكحول، اللذين كشفت عنهما صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، سببا في هذه الإقالات بالجملة.
وينضاف إلى ذلك حقيقة أن عمليات التطهير داخل الجيش تتسم بالعنف وتؤدي في كثير من الأحيان إلى السجن، ومن هنا نفهم لماذا يستبد الخوف بكبار الضباط الجزائريين. إنهم يهتمون بمصير عائلاتهم أكثر من اهتمامهم بمصالح الدولة. وهو ما يتضح جليا في الوضع الراهن بالجزائر. لقد فقد النظام كل مكونات الدولة. يكفي النظر إلى التلفزيون الوطني ووسائل الإعلام الرسمية لنفهم مدى الفوضى التي تحدد سياسة نظام مدمن على الأزمات مع جيرانه في منطقة البحر الأبيض المتوسط والساحل، بل وحتى ما وراءهما.




