200 شاب جزائري يفرون يوميا من الجزائر.. ماذا يحدث في بلاد «القوة الضاربة»؟

صورة مركبة للاعبين جزائريين يلتحقان بجيوش الشباب الهاربة من جحيم البطالة بالجزائر

في 02/12/2024 على الساعة 18:45

في مشهد يختزل المأساة، تتزايد أعداد الشباب الجزائريين الذين يخاطرون بحياتهم عبر قوارب الموت للوصول إلى أوروبا، هربا من واقع اقتصادي واجتماعي متدهور في بلد يزخر بالثروات الطبيعية. خلال الأيام الأربعة الماضية فقط، غادر حوالي 800 شاب جزائري وطنهم، بمعدل 200 في اليوم، حاملين معهم أحلاما أجهضتها البطالة والتهميش وانسداد الأفق الاقتصادي. الظاهرة التي أصبحت واقعا مأساويا يعكس حجم الإحباط واليأس الذي يعيشه الشباب في بلد يعج بثروات النفط والغاز، لكنه عاجز عن تقديم فرص حياة كريمة.

آخر فصول هذا النزيف المتواصل كان فرار لاعبي كرة قدم جزائريين بارزين، حسين يوسفي (لاعب شباب غرب وهران) وحمزة بن عيدة (لاعب رديف مولودية وهران)، اللذان انتشرت صورهما نهاية الأسبوع الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليقات تشير إلى «وصولهما إلى سواحل آلميريا الإسبانية قادمين من وهران بطريقة غير شرعية عبر قوارب الموت».

وليست موجة الهروب هاته استثناء، إذ تشير الإحصاءات إلى تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية بشكل لافت، حيث وصل خلال أسبوع واحد فقط من شهر نوفمبر الماضي أكثر من 800 مهاجر جزائري إلى الشواطئ الإسبانية، وفق تقارير حقوقية إسبانية.

مأساة يومية على مياه المتوسط

الناشط الإسباني فرانشيسكو خوصي كليمونت، تحول حسابه على فيسبوك إلى «مرصد حي» بالنسبة للجزائريين الذين يتابعون من خلاله مصير ذويهم المهاجرين سرا من إحدى سواحل الجزائر، ولا يهنأ لهم بال حتى يوثق هذا الناشط الحقوقي وصول القارب المطاطي الذي يحملهم إلى «بر الأمان».

يوثق فرانشيسكو لحظة بلحظة وصول القوارب القادمة من الجزائر، في مشهد يصدم المتابعين بحجم الكارثة الإنسانية. كل ساعة تحمل معها أخبارا عن قوارب جديدة، بعضها يصل، والبعض الآخر يفشل، بينما يبقى مصير ركابها مجهولا.

المتابع لهذا الحساب الفيسبوكي سيصاب بالذهول من حجم أرقام الجزائريين الذين يعلن عن رسو قواربهم السرية كل ساعة بشواطئ إسبانيا. منذ يوم الثلاثاء الماضي، تكاثفت بكثرة وثيرة وصول المهاجرين الجزائريين عبر قوارب الموت إلى الجنوب الإسباني، حسب ما يرصده هذا الناشط الحقوقي. فقد بلغ عدد الجزائريين الذي أبحروا ليلة الثلاثاء - الأربعاء على متن قوارب مطاطية واستطاعوا بلوغ بر الأمان 151 مهاجرا، بينهم شباب وقاصرون من كلا الجنسين، بينما حال الموج دون تحقيق حلم 15 منهم.

وفي اليوم الموالي، الأربعاء 28 نونبر، وصل 175 مهاجرا جزائريا. وتواترت تدوينات فرانشيسكو مع وصول كل فوج جديد من المهاجرين، حيث يعلن فورا عن عدد المهاجرين السريين الذين يفلح الحرس المدني في إنقاذهم من الموت، ويسارع هذا الناشط الحقوقي إلى توثيق عددهم وجنسهم وجنسياتهم وحالتهم الصحية...

وتميز يوم الجمعة 29 نونبر بتسجيل أكبر عدد من «الرحلات السرية» القادمة من الجزائر، والتي جاءت محملة بـ198 مهاجرا سريا، بيهم قاصرون من كلا الجنسين.

اللافت أن حساب هذا الناشط الإسباني تحول من طرف الجزائريين إلى مرصد لتتبع رحلات ذويهم الذين قرروا الهروب سرا من بلاد القوة الضاربة، حيث لا يترددون في كتابة تعليقات على هذا الحساب مستفسرين عن مصير رحلة انطلقت من وهران أو مستغانم أو بومرداس... بينما يشكل بالنسبة لآخرين ص الأمل في قلوب المترديين في خوض تجربة الهجرة خوفا من الموت...

ضحايا البطالة واليأس

تعكس هذه الظاهرة حجم الأزمة التي تعصف بالشباب الجزائري. فالبلاد، رغم غناها بالنفط والغاز، تعاني من مستويات مرتفعة من البطالة والتضخم، مما يدفع الشباب إلى اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر للهروب من واقع يزداد قسوة يوما بعد يوم.

ورغم خطورة هذه الرحلات، أصبحت «الحرقة» خيارا يوميا للعديد من الشباب. يدفع المهاجرون آلاف اليوروهات للمهربين، آملين في مستقبل أفضل على الضفة الأخرى، غير مبالين بالأهوال التي قد يواجهونها في عرض البحر.

وفي خضم هذا الوضع البائس، يُترك الشباب الجزائري لمصير مجهول. في ظل بطالة خانقة، تضخم متزايد، وانعدام أفق اقتصادي، تصبح الهجرة غير الشرعية الخيار الوحيد أمام الآلاف من الشباب، الذين يغامرون بأرواحهم مقابل رحلة قد تكون الأخيرة في حياتهم.

نظام منشغل بنظريات المؤامرة

بدلا من مواجهة هذه المأساة بحلول عملية، يركز النظام العسكري الجزائري جهوده على قضايا هامشية ونظريات مؤامرة ضد جاره المغرب، في محاولة لتوجيه الأنظار بعيدا عن أزماته الداخلية.

الإعلام الموالي للنظام، الذي يتجاهل معاناة الشباب المهاجر، منشغل فقط بنشر «أخبار» مختلقة عن شبكات تهريب مغربية وأوهام عن «مؤامرات» تستهدف الجزائر، مثل ما أوردته خلال نهاية الأسبوع الماضي حول «تفكيك شبكة مختصة في تهريب المهاجرين المغاربة إلى الجزائر»، مدعية وجود «رأس مدبر مغربي» يدير شبكة دولية للهجرة.

مثل هذه الادعاءات تعكس سياسة النظام في تبرير فشله الداخلي، حيث يُلقي باللوم على المغرب بدل معالجة الأسباب الحقيقية التي تدفع شبابه إلى الهروب.

إن هذا الخطاب الإعلامي يكشف عن خوف جنرالات النظام من أي تحرك قد يعري عجزهم وفشلهم أمام الشعب الجزائري.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 02/12/2024 على الساعة 18:45