الجزائر: تبون يزج بسعد بوعقبة عميد الصحافيين الجزائريين في السجن

عميد الصحافيين الجزائريين، سعد بوعقبة

في 29/11/2025 على الساعة 07:00

فيديووُضع عميد الصحافيين الجزائريين، سعد بوعقبة (أكثر من 79 سنة)، رهن الحبس المؤقت يوم الخميس 27 نونبر، بعد ساعات قليلة من رفع شكوى ضده بتهمة التشهير. وقد اتُهم بـ«المساس بالرموز التاريخية للدولة الجزائرية»، في حين لم يفعل سوى أن نقل محتوى كتاب قديم عبارة عن شهادة حول تبديد أملاك جبهة التحرير الوطني التي أودعت خلال سنوات الخمسينات في حسابات بنكية بسويسرا. وفي الواقع، فإن سجن بوعقبة هذا يعود إلى رد الفعل الثابت للنظام الجزائري الذي يرفض أي رواية غير الرواية الرسمية المصطنعة والمزيفة التي تروج لها دعايته.

رسميا، قيل إن مهدية بن بلة، إحدى ابنتي الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة بالتبني، هي من رفعت الشكوى ضد الصحافي والكاتب الجزائري الشهير، سعد بوعقبة، بتهمة التشهير بذكرى والدها. وهذا على الأقل ما أبلغ به عميد الصحافيين الجزائريين، البالغ حاليا أكثر من 79 سنة في وضع صحي مريض، من طرف الدرك الجزائري الذي استدعاه الأربعاء الماضي، قبل أن يطلب منه العودة في اليوم التالي.

غير أن الأمور تسارعت بشكل غريب عندما مثل للمرة الثانية أمام مركز الدرك، فبمجرد تقديمه إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس في الجزائر، أبلغه هذا الأخير بأنه متهم بالمساس بـ«الرموز التاريخية للدولة»، وليس فقط بـ«أحمد بن بلة»، قبل أن يأمر بحبسه في انتظار نتائج التحقيق الأولي. وبذلك تكون «العربة قد وضعت قبل الحصان».

وتتمثل الوقائع المأخوذة على بوعقبة في شهادات تاريخية أدلى بها خلال برنامج تلفزيوني بعنوان «دون بروتوكول»، بثته قناة «فيزيون تي في» على «يوتيوب»، وكان موضوعه «هكذا اقتسم بعض قادة الثورة الجزائرية أموال جبهة التحرير الوطني: كشف تاريخي صادم».

خلال استجوابه من طرف الدرك الذي استدعاه لإبلاغه بوجود شكوى ضده على خلفية التصريحات التي أدلى بها حول التقاسم غير القانوني لأموال جبهة التحرير الوطني المودعة في البنوك السويسرية لدعم الثورة الجزائرية، أجاب سعد بوعقبة بأنه لم يفعل شيئا سوى أنه نقل ما كُتب بـ«الخط العريض» في كتاب لفرانسوا دومون، نُشر قبل نصف قرن تقريبا. وقد صدر هذا الكتاب في وقت كان فيه جميع قادة جبهة التحرير الوطني المتهمين باختلاس «كنز الجبهة» على قيد الحياة تقريبا. ولم يعترض أي منهم على المحتوى «المفجر» لهذا الكتاب، ولا رفعوا دعوى ضد مؤلفه.

علاوة على ذلك، تلقت عائلة محمد خيضر، بعد اغتياله على يد عملاء هواري بومدين عام 1967 في مدريد، جزءا كإرث من هذا المبلغ الكبير المودع في بنك سويسري باسم «الرجل الأب»، وقد أعادت العائلة جزءا منه إلى الحكومة الجزائرية.

على الرغم من الأدلة الدامغة التي قدمها بوعقبة، لم يمنع ذلك المحكمة من الدخول بسرعة في الموضوع بناء على أوامر النظام الجزائري للشروع في إجراءات مثول فوري ضده، تلاها إيداعه في السجن. ومن المقرر أن يستمر هذا الحبس المؤقت حوالي عشرة أيام، حيث تم تأجيل النظر في قضيته إلى غاية 5 دجنبر المقبل.

بدلا من مطالبة سعد بوعقبة بإصدار تكذيب لتصريحاته أو الاعتذار للمشتكية التي كان بإمكانها بدورها نشر حق الرد في الوسيلة الإعلامية المعنية، سارع وكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر إلى إصدار بيان يشبه «الادعاء» ضد الصحافي. واتُهم هذا الأخير بشكل مباشر بنشر «معلومات كاذبة وغير دقيقة وتشهيرية، وإهانة رموز الدولة والثورة».

هذا التسرع يثبت أن ابنة بن بلة بالتبني قد استُخدمت كـ«أداة» في هذه القضية بهدف منح النظام الجزائري فرصة لإسكات سعد بوعقبة، الذي يتمثل خطؤه في أنه لم يقبل أبدا أن يوضع تحت عباءة عبد المجيد تبون، هو الذي كان مقربا من جميع الرؤساء الجزائريين السابقين، من بن بلة إلى بوتفليقة.

بالفعل، كان تبون قد سجن بوعقبة في فبراير 2023 بسبب مقال ساخر من الاستثمار القطري في إنتاج الحليب بالجزائر، وهو استثمار كان يجب على الجزائر أن تقوم به بنفسها بفضل عائداتها النفطية والغازية. ومنذ ذلك الحين، يخضع بوعقبة لـ«منع السفر من التراب الوطني»، مع مصادرة جواز سفره.

وقد نصبت وزارة المجاهدين نفسها طرفا مدنيا في هذا الملف «المفبرك» الذي أُعد لغرض وحيد هو إسكات بوعقبة، الذي بدأت قناة «فيزيون تي في» تمنحه الكلمة منذ عدة أسابيع من خلال حلقات يسرد فيها شهاداته التي عاشها منذ سنوات السبعينات.

من جانبهما، وعلى الرغم من أنهما لم يتعرضا لأي شكوى ولم يتلقيا حق الرد، فقد تم أيضا تقديم مالك قناة «فيزيون تي في» والصحافي الذي أجرى المقابلة مع سعد بوعقبة إلى النيابة العامة. وستتم متابعتهما في حالة سراح بتهمة «إهانة وتشهير رموز الثورة عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال، والنشر والبث العمدي للأخبار الكاذبة أو المعلومات المغرضة لدى الجمهور بأي وسيلة كانت، طبقا للمواد 148 مكرر 1 و333 مكرر 6 و196 مكرر من قانون العقوبات»، بحسب بيان النيابة. والأدهى من ذلك، تم حظر قناة «فيزيون تي في» بدعوى أنها لا تملك ترخيصا لممارسة النشاط. وهذا يدل على حجم الكارثة التي سببتها تصريحات سعد بوعقبة.

على غرار العديد من الصحافيين المستقلين الآخرين، مثل عبد الوكيل بلام، المسجون منذ عام دون محاكمة، جاء الدور اليوم على بوعقبة، هذا الخبير المخضرم في الصحافة الجزائرية، الذي كانت مقالاته في وسائل الإعلام العمومية مثل «المجاهد» و«الشعب»، خلال سنوات السبعينات والثمانينات، هي الجزء الوحيد الذي يقرأه القراء.

إنه اليوم ضحية «الحساسية المرضية» للنظام الجزائري الحالي تجاه أي رأي أو أي رواية تاريخية غير تلك التي تروج لها دعايته والمصطنعة التي يحاول من خلالها إضفاء الشرعية على نفسه. وقد قضى الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، للتو سنة في سجون هذا النظام لتذكيره بـ«حقائق تاريخية»، تتعلق باقتطاع أجزاء مهمة من التراب المغربي لصالح الجزائر الفرنسية. كما أن العلاقات الجزائرية الفرنسية ستنتقل من أزمة إلى أخرى بسبب تأكيده على حقيقة تاريخية أخرى، وهي أنه لم تكن هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، كما أكد ذلك إيمانويل ماكرون. خاصة وأن الرئيس الفرنسي اعترف بالحقوق التاريخية للمغرب على «صحرائه»، وهي حقيقة أكدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن النظام الجزائري ما يزال يصر على إنكارها.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 29/11/2025 على الساعة 07:00