خلال خطابه أمام الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، أكد تبون أن الجزائر حققت مداخيل تصل إلى37 مليار دولار من الإنتاج الزراعي.
هذا الرقم كان سيكون مقبولا ومعقولا لو أن الأمور تدار في بلاد « القوة الضاربة » بشكل منطقي، من قبل الطغمة العسكرية المُستولية على الحكم رغما عن إرادة الشعب. فقبل أشهر فقط صرح تبون بأن الجزائر حققت 25 مليار دولار من مداخيل الإنتاج الفلاحي، لذلك فإن الجزائريين يتساءلون باستغراب عن الطريقة السحرية التي جعلت الرقم يرتفع بـ12 مليار دولار في ظل الجفاف وتدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد.
الأرقام في ميزان الواقع
وهكذا أثار هذا الرقم دهشة المراقبين والمختصين الذين أشاروا إلى استحالة الوصول إلى هذا المستوى بالنظر إلى المعطيات الحالية. فقد انتقد المحلل الجزائري ساعد كرميش هذه الأرقام واعتبرها « منفوخة » بشكل غير منطقي، مشيرا إلى أن إجمالي الإنتاج الزراعي الجزائري لا يتجاوز 7 إلى 8 مليارات دولار وفق حسابات دقيقة.
وأوضح كرميش في تحليل دقيق بثته قناة «المغاربية» أن الجزائر تنتج حوالي3.5 مليون طن من الحبوب، وهو رقم بعيد عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لتلبية الطلب المحلي الذي يتجاوز 7 ملايين طن سنويا. كما أن القطاعات الأخرى، مثل إنتاج البطاطس والطماطم والبصل، تعاني حسب هذا الخبير انخفاضا بنسبة تصل إلى 14% منذ عام 2021، وفقا لتقارير البنك المركزي الجزائري.
كذبة الاكتفاء الذاتي
أثار جهل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الفرق بين مصطلحات الإنتاج والاستهلاك والتصدير جدلا واسعا بين المختصين والشعب الجزائري وسخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.
فقد أكد الناشط السياسي والإعلامي الجزائري سعيد بنسديرة أن رئيس الجمهورية في حديثه الأخير عن مداخيل الفلاحة الجزائرية « وقع في مغالطة كبيرة عندما خلط بين مصطلحات أساسية في الاقتصاد الزراعي ».
ورغم ادعاء تبون بأن الجزائر لا تستورد القمح الصلب، أشار الناشط السياسي والإعلامي سعيد بنسديرة، من خلال بث مباشر عبر حسابه على منصة يوتيوب، إلى أن البلاد لا تزال تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح اللين لتلبية الطلب المحلي.
هذا التناقض في التصريحات أثار سخرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تساءل الجزائريون كيف يمكن الحديث عن الاكتفاء الذاتي بينما تستمر طوابير الغذاء في الشوارع.
إقرأ أيضا : تناقضات الرئيس الجزائري بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب
تسييس الأرقام الاقتصادية
يشير مراقبون إلى أن هذه الأرقام تأتي في سياق محاولة السلطات الجزائرية تقديم صورة وردية عن القطاع الزراعي، الذي يعاني في الواقع من مشكلات هيكلية، أبرزها الجفاف وضعف البنية التحتية.
ويرى الخبير ساعد كرميش أن « النظام الجزائري يتعامل مع أرقام الاقتصاد كما يتعامل مع أرقام الانتخابات، بتضخيمها لتحقيق أهداف سياسية ».
وبالنسبة إلى الإعلامي بنسديرة فإن الجزائر أصبحت عرضة للسخرية بسبب ما وصفه بـ »عدم التمييز بين الإنتاج والاستهلاك والتصدير ».
وأكد أن مثل هذه التصريحات ستؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين والفاعلين الدوليين في جدية الحكومة الجزائرية.
الواقع الزراعي الجزائري
رغم التصريحات الرسمية التي تتحدث عن توسيع المساحات الزراعية المروية واستغلال الجنوب الكبير، يؤكد المراقبون أن الإنتاج الزراعي الجزائري سيظل عاجزا عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. ويشكل الجفاف وتراجع الاستثمارات في القطاع نتيجة السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة.. أبرز العقبات التي تحول دون تحقيق الأهداف المعلنة.
وتساءل جزائريون باستغراب عن كيف يعجز بلد مثل الجزائر، الذي يمتلك مساحات زراعية شاسعة، ويدعي بأنه أكبر منتج للقمح في العالم، عن زراعة أراضيه بما يكفي احتياجات سكانه.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن تصريحات الرئيس تبون بشأن الاكتفاء الذاتي وتحقيق عائدات زراعية فلكية تأتي في سياق محاولة سياسية لتجميل الواقع. ومع ذلك، فإن أزمات الطوابير ونقص المواد الأساسية تكشف زيف هذه الادعاءات... فهل يمكن للنظام الجزائري تجاوز الأزمات الهيكلية أم أن سياسة تضخيم الأرقام ستظل هي ديدنها لتجميل الواقع؟