في الجزائر أو بلاد «عبث-ستان»: النظام يشرّع «تجارة الكابا».. لكنه يغلق الباب أمام العملة الصعبة

Le président algérien Abdelmadjid Tebboune.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. AFP or licensors

في 08/07/2025 على الساعة 17:15

من جهة، يُجيز النظام الجزائري لما يُعرف بـ«المستوردين الذاتيين» استيراد سلع بقيمة تصل إلى 24 ألف يورو شهريا. ومن جهة أخرى، يمنعهم من إخراج أكثر من 7500 يورو… سنويا. مرحبا بكم في «عبث-ستان»، حيث يمكن لحقيبة التهريب أن تتنقل بحرية، لكن ليس للعملة الصعبة التي تملؤها أن تفعل الشيء نفسه. تحليل.

أراد النظام الجزائري تأطير التهريب، فانتهى به الأمر إلى شرعنته. مع المرسوم رقم 25-170 الصادر في 28 يونيو 2025، والموقع بفخر كبير من طرف الوزير الأول نذير العرباوي برعاية رئيس الجمهورية الجزائرية، دخلت الجزائر حقبة جديدة: حقبة «المهرب المعتمد». إنه ابتكار قانوني لا يُتقنه سوى عبد المجيد تبون، وسرعان ما ظهرت أولى نتائجه.. الكارثية.

هذا المرسوم، الذي تفوح منه رائحة «الفهلوة» المنظّمة، يُتيح للشباب الحاملين لصفة «مقاول ذاتي» استيراد سلع تصل قيمتها إلى 12 ألف يورو كل 15 يوما، أي 24 ألف يورو شهريا. ولن نخوض هنا في العبث الاقتصادي الحقيقي الذي تمثله هذه الخطوة، لكن المرسوم، الذي استُقبل بزغاريد في الأحياء التجارية، يثير إشكالات عدة.

الإشكال الأول قانوني. فالقرار يستند إلى مبدأ بسيط لكنه هش: من يريد الاستيراد، عليه شراء العملة الصعبة. لكن، من أين؟ من البنوك؟ بالطبع لا. يجب الذهاب إلى الساحة الشهيرة بـ«السكوار»، مركز السوق السوداء الذي لا تعترف به القوانين الجزائرية، لكنه يجد اعترافا فعليا في هذا المرسوم.

تقنيا، المرسوم يضفي شرعية على السوق السوداء – الممنوعة نظريا – لأنه يسمح بفتح حسابات بالعملة الصعبة دون توضيح مصدر هذه الأموال. اعتراف مُحرج لدولة تُفترض أنها تُحرّم المعاملات خارج القنوات الرسمية.

قانون النقد والقرض المصادق عليه من البرلمان لا يعترف بالسوق الموازية، في حين أن مرسوم الوزير الأول، الذي هو أقل من حيث التسلسل القانوني، يُقننها. تناقض يعجز حتى أمهر فقهاء القانون عن تبريره. وبالتالي، سيتوجه « المقاول الذاتي » لشراء اليورو من « السكوار » بسعر يقارب ضعف السعر الرسمي. فبينما تُحدد قيمة اليورو في بنك الجزائر بـ152 دينارا، يعرضه السوق الموازي بـ265 دينارا. ثم يُودعها في حساب بالعملة الصعبة، دون أن يسأله أحد عن مصدر المال. وإذا لم يكن هذا تبييضا واسع النطاق، فما هو إذن؟

24 ألف يورو نظريا مقابل 7500 يورو فعليا

لكن هناك ما هو أعجب، وهنا تبلغ « عبقرية » النظام الجزائري ورئيسه المفترض ذروتها. فالدولة نفسها التي تسمح بما يصل إلى 24 ألف يورو من « التهريب » لكل فرد شهريا، تمنع في الوقت ذاته أي جزائري من إخراج أكثر من 7500 يورو… سنويا.

بالفعل، تنص المذكرة رقم 24-05 لبنك الجزائر على أنه «يُمنع على أي جزائري إخراج أكثر من 7500 يورو». ليس شهريا، بل سنويا. سقف مطلق، سواء كنت عاطلا عن العمل أو رجل أعمال.

لتبسيط الصورة: نظريا، يمكن استيراد سلع بقيمة 24 ألف يورو شهريا. لكن فعليا، لا يمكنك إخراج سوى 7500 يورو مرة واحدة في السنة. أي أقل من تكلفة حقيبة تهريب واحدة.

هذا الالتفاف الإداري يُجسّد إحدى « الهوايات » المفضلة لدى النظام الجزائري: التقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء. إذ يفتح الباب للاستيراد عبر « الكَابَا » (الحقائب المحمولة)… ويغلق في الآن نفسه القنوات الرسمية للعملة الصعبة. النتيجة: تقنين جزئي للتجارة غير النظامية، لكن دون أي انسجام تشريعي يُذكر.

وهكذا يمارس نظام الجزائر ليبرالية محسوبة ومضبوطة بدقة. يسمح للشعب بالعمل في قطاع غير مهيكل ولاشرعي من أجل ضمان سلم اجتماعي محتمل، لكنه يتناسى أن باقي قوانين البلاد ينبغي أن تواكب هذا التوجه. يسمح بالحقائب… لكنه لا يسمح بالتحويلات. والأخطر من ذلك، يواصل التظاهر بتجاهل ما يشرّعه بنفسه: الجريمة المنظمة.

في الأثناء، وبعد أيام قليلة من دخول مرسوم « الكَابَا » حيّز التنفيذ، جاء رد فعل السوق سريعا وببرودة عقلانية معتادة: حلق اليورو ليصل إلى 265 دينارا في السوق الموازية، محطما جميع الأرقام السابقة. رقم قياسي تاريخي. أو بتعبير أدق: انهيار تاريخي للدينار. وهذه ليست النهاية، فالتدهور المتسارع للدينار يُنذر بتجاوز عتبة 300 دينار لليورو الواحد قبل نهاية العام.

بمعنى آخر، المكسب الوحيد الظاهر من تقنين التهريب هذا كان… خسارة إضافية لقيمة العملة الوطنية، التي لم تكن تساوي الكثير أصلا. إنها وصفة تبون الخالصة: اتخاذ قرارات متسرعة وسطحية، تقديمها على أنها «إنجازات القرن»، ثم حصد موجة من التداعيات السلبية والعودة إلى نقطة الصفر. تماما كما حدث مع منحة السياحة السنوية البالغة 750 يورو (مقابل 100 يورو حاليا)، التي أُعلنت باحتفالية كبرى… وما زال الجزائريون ينتظرونها. ولن يرَوْها أبدا.

الدينار يتهاوى

تم التفكير في هذا القانون كإجراء لتحرير ما يُعرف بـ«الاستيراد الصغير»، لكنه يأتي في بلد لم يعد الدينار الرسمي فيه يفتح حتى أبواب متاجر «الديوتي فري». والنتيجة: طلب ضخم على العملة الصعبة، وعرض محدود، وسعر صرف يشتعل أسرع من شواية غاز... جزائرية. ووفقا لآراء العديد من المراقبين، من المتوقع أن يتجاوز اليورو عتبة 300 دينار خلال الأسابيع المقبلة، إن لم يتم اتخاذ أي إجراء. ولا شيء يدل على أن ذلك سيحدث.

وهناك أيضا هذه «الأعجوبة العالمية الثامنة» التي تُدعى المرادية. إذ يفرض المرسوم على « المستوردين الذاتيين » ألا يكونوا أجراء، أو تجارا، أو مستفيدين من إعانات اجتماعية. بمعنى أوضح: يجب أن يكونوا في وضعية عطالة رسمية. لكن، كيف يمكن لعاطل عن العمل أن يبرّر قانونيا حيازة 12.000 يورو نقدا في كل رحلة، مرتين في الشهر؟ الجواب واضح: هذا القانون لا ينظم التهريب، بل يشرّع تبييض الأموال. بل إنه يوفّر حتى لدوائر الاقتصاد الموازي آلية لتصريف وإعادة تدوير الأموال المشبوهة، تحت غطاء « تجارة صغيرة عبر الحدود».

وراء كل الشعارات حول « تقنين القطاع غير المهيكل »، يختبئ واقع أكثر مأساوية: غياب تام لأي منطق اقتصادي أو سياسة نقدية في الجزائر. وبينما ينهار الدينار، يصبح الطلبة الجزائريون في الخارج، والمرضى المحتاجون للعلاج خارج البلاد، والعائلات المشتتة بين ضفّتين، الضحايا الرئيسيين لهذا الانهيار. ومع يورو بات منالُه مستحيلا، لم يعد بإمكان سوى من يعيشون داخل شبكات الاقتصاد الموازي السفر والشراء والاستيراد والعيش بالعملة الصعبة.

وفي الأثناء، يمكن لقلّة قليلة من المستثمرين الأجانب الذين كانوا لا يزالون يدرسون إمكانية الإنتاج محليا أو فتح متاجر للملابس أو مستحضرات التجميل أو الأحذية، أن يطووا مشاريعهم ويغادروها. إذ لا يمكن أن يفكّر في الاستقرار ببلد يكون فيه التهريب أكثر ربحا من الصناعة سوى شخص فقد صوابه. وإذا أردنا الحديث عن الجنون، فإن المرسوم 170-25 حقق على الأقل «إنجازا» واحدا: أثبت مرة أخرى أن الخط الفاصل بين «العبقرية» السياسية والكارثة الاقتصادية يمكن أن يتجسّد في شخص واحد فقط: عبد المجيد تبون.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 08/07/2025 على الساعة 17:15