كشف مصطفى الزبدي، رئيس منظمة حماية المستهلك بالجزائر، أن أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء ارتفعت بشكل مهول خلال شهر رمضان. وذكر عبر حسابه على موقع فيسبوك أن سعر لحم الخروف يباع في مدينة عنابة بـ2900 دينار (217,5 درهم مغربي)، ولحم العجل بـ2600 دينار (195 درهم مغربي).
وأدى غلاء اللحوم الحمراء بالجزائر إلى إغراق الأسواق بلحوم الحمير والبغال، حيث يتم بيعها للمواطنين على أنها لحوم أبقار، بأسعار لا تقل عن 1200 دينار للكيلوغرام (90 درهم مغربي)، في وقت فشلت فيه السلطات الجزائرية في القضاء على مذابح سرية تزود الأسواق بلحوم وأحشاء الحمير والبغال.
وأثار خبر تداولته وسائل الإعلام الجزائرية، بحر الأسبوع الماضي، بشأن العثور على كميات ضخمة من لحوم الحمير كانت موجهة للاستهلاك خلال شهر رمضان، داخل مذبح سري ببلدية عيون الترك، غضب الجزائريين الذين استنكروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما وصفوه بـ »الاستهتار بصحتهم »، واعتبروا هذه الواقعة المتكررة « وصمة عار على جبين حكام الجزائر الذين يتفرجون يوميا على مآسي الشعب رغم الثروات الخيالية التي تزخر بها بلادهم ».
إقرأ أيضا : استمرار إغراق الأسواق الجزائرية بلحوم الحمير والبغال.. مداهمة مذبح سري آخر
وأشار الفاعل الجمعوي مصطفى الزبدي، الذي أدان الجريمة، إلى أن مكتب حماية المستهلك وإرشاده بولاية وهران، نصب نفسه كطرف مدني في القضية.
حلول ارتجالية
في خضم أزمة اللحوم الحمراء التي تنضاف إلى مآسي الشعب الجزائري، لجأت السلطات الحاكمة بالجزائر إلى حلول وصفت بالارتجالية والترقيعية، تمثلت في استيراد أعداد ضئيلة من رؤوس الأغنام والأبقار لسد الخصاص في هاته المادة الغذائية الأساسية في موائد الجزائريين.
ويبدو أن الجزائريين فقدوا ثقتهم في الحكام وما عادوا يصدقون كل خطاباتهم، إذ أثار وصول أول دفعة من اللحوم المستوردة، الأسبوع الماضي، شكوك الجزائريين حول جودة هاته اللحوم وسلامتها ومدى مطابقتها لشروط الذبح الإسلامي، ما أدى إلى الإحجام عن اقتنائها على الرغم من عرضها بأسعار وصفت بالمعقولة: 1180 دينار (88,5 درهم مغربي).
وأمام ما يشبه المقاطعة لهذه اللحوم المستوردة، اضطرت السلطات الجزائرية إلى تسخير بعض وسائل الإعلام الموالية لها من أجل تصوير «إقبال الجزائريين على شكل طوابير لاقتناء اللحوم المستوردة»، حيث ركزت الربورتاجات على دحض كل مخاوف الجزائريين بشأن هذه اللحوم، وبدا نظام الكابرانات من خلال هاته الربورتاجات كما لو أنه يستعطف المواطنين بسذاجة ليشتروا اللحوم المستوردة، دون أن يتحرج من ذكر كلمة « طوابير » التي مرغت وجه «القوة الضاربة» في الوحل.
من جانب آخر، اتهمت وزارة الزراعة المنتقدين الذين يشككون في جودة اللحوم بـ«ترويج الدعايات».
ويناقض قرار الجزائر استيراد 100 ألف طن من اللحوم الحمراء في رمضان سياسة سابقة تحظر استيراد هذا المنتوج. وكانت تهدف إلى زيادة دعم المنتجين المحليين، لكنها شهدت مقاومة شديدة إثر زيادة أسعار اللحوم المحلية.
وقال وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني في الأسبوع الماضي إن قرار الرئيس عبد المجيد تبون إعادة فتح التوريد يهدف إلى « دعم قدرة المواطنين العاديين على شراء اللحوم بسعر معقول وعدم الاضطرار إلى تحمل شروط الجزارين الجزائريين الذين يبيعون لحوم البقر المحلية بأسعار باهظة ».
أرقام متناقضة
بينما ظلت أعداد رؤوس الماشية في الجزائر متضاربة خلال السنوات الماضية، حيث يتم التصريح في كل مرة برقم لا يشبه سابقه، حيث تراوح ما بين 23 و29 مليون رأس. غير أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كشف أخيرا عن رقم جديد، إذ أعلن تبون أن الإحصاءات الدقيقة أظهرت توفر الجزائر على 19 مليون رأس من الأغنام، بعيدًا عن الأرقام السابقة المتضاربة.
وأبدى تبون استغرابه من هذا التضارب الواضح في الأرقام خلال السنوات السابقة، مشيرًا إلى « أهمية الإحصاءات الدقيقة في التخطيط والاستثمار وتنظيم الاستيراد بشكل فعّال ».
فتوى حول استهلاك لحوم الحمير!
يعتبر الكثير من الجزائريين اللحوم أساسية في وجباتهم الغذائية. ويبلغ معدل استهلاك الجزائري من اللحوم الحمراء 15 كيلوغراماً سنوياً، وهو رقم أقل بكثير من المتوسط العالمي الأدنى الذي تنصح به المنظمة العالمية للتغذية والمنظمة العالمية للصحة والمحدد في ـ25 كيلوغراماً سنوياً.
وذكرت المنظمة العالمية لصحة الحيوان أن الجزائر تستورد حوالي 103889 رأسا من الماشية سنويا. ويشمل هذا العددُ الأبقار المخصصة للتكاثر والتسمين والذبح.
وكشفت تقارير الإعلام الجزائري عن ضبط كميات كبيرة من لحوم الحمير في أسواق مختلفة، منها العاصمة الجزائر، وهران، وقسنطينة. كما تم العثور على مسالخ سرية لذبح الحمير في بعض المناطق، مما يدل على انتشار هذه الظاهرة بشكلٍ مُقلق، ويساهم في ذلك الانتشار غير المنضبط للجزارين غير المرخصين الذين يتاجرون بلحوم غير قانونية في انعدام شبه تام للمراقبة الصحية.
إقرأ أيضا : لحوم الحمير والبغال بموائد الجزائريين في رمضان.. عندما يستهتر النظام العاجز بصحة المواطنين
وتشير تقارير إلى أن ظاهرة بيع واستهلاك لحوم الحمير والبغال قد تزايدت في الجزائر نتيجة لعدة عوامل، إذ يعتبر البعض أن ذلك يعود إلى الضغوط الاقتصادية التي يواجهها المواطن الجزائري، مما يجعله يلجأ إلى مصادر غذائية رخيصة ومتاحة، بغض النظر عن مخاطرها الصحية.
وفي الوقت الذي يعتبر أكل هذه اللحوم مخالفا للقيم الأخلاقية والدينية للمجتمع الجزائري، فإن بعض المواطنين لجأوا إلى استفتاء الداعية الشهير بالجزائر، الشيخ شمس الدين، في محاولة منهم استصدار فتوى تبيح لهم استهلاك هذا النوع من اللحوم غير الصحية، بعدما حرمهم الغلاء من الحصول على لحوم الأبقار والأغنام.
ومن الناحية الصحية، يُحذر مختصون من أن لحوم الحمير تحمل مخاطر صحية جمة، أذ أنها قد تكون ملوثة بفيروساتٍ وبكتيريا ضارة، ناهيك عن احتوائها على نسبة عالية من السموم. كما أن ذبح الحمير والبغال بطرقٍ غير صحية وفي مذابح سرية قد يُعرضها للتلوث بمختلف أنواع الأمراض المعدية.