وضع جيوسياسي جديد أصبح يفرض نفسه في منطقة الساحل: فمن يخسر مالي فإنه يخسر أيضا بوركينا فاسو والنيجر. وقد خبرت فرنسا ذلك. والجزائر تسير بخطى سريعة على نهج صانعتها.
وهكذا، فإن مالي وبوركينا فاسو والنيجر، المعروفة باسم بلدان «الحدود الثلاثة»، حيث تنشط العديد من المنظمات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، أنشأت تحالف دول الساحل، بما في ذلك مالي، البلد الأساسي، لأنه على خطى باماكو، حدثت انقلابات متتالية في واغادوغو ثم في نيامي. والقاسم المشترك بين هذا الثلاثي هو القطيعة مع فرنسا، وهي بصدد الابتعاد عن الجزائر، المتهمة بشكل مباشر بالتدخل وبشكل غير مباشر بأنها مصدر تناسل الجماعات الإرهابية التي تدمي منطقة الساحل، والعديد منها كان، أو لا يزال، تحت قيادة «أمراء» جزائريين أو محميين من قبل النظام الجزائري.
وأمام هذا الوضع السيء على حدودها الجنوبية، حيث شهدت علاقاتها مع مالي تدهورا مفاجئا وخطرا في الأيام الأخيرة، تبحث الجزائر عن الخلاص بتوجهها نحو موريتانيا، البلد الذي أغرقته منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، بالوعود التي لم يتم الوفاء بها قط، ولكن تلوح بها في كل مرة تعتقد أنها وجدت فجوة في العلاقات المغربية الموريتانية.
وهكذا اعتقد النظام الجزائري، يوم الأحد الماضي، بالموازاة مع اختتام اجتماع بين المغرب ودول الساحل التي لا تتوفر على منفذ بحري في مراكش، أن غياب موريتانيا، وهي دولة من دول الساحل بالتأكيد، وتتوفر على منفذ بحري، يدل على وجود فتور في العلاقات بين الرباط ونواكشوط. ومن هذا المنطلق، طلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من وزيره الأول نذير العرباوي إطلاق دراسة عاجلة من أجل الإسراع بإنشاء منطقة تبادل حر على الحدود الجزائرية الموريتانية. هذه المنطقة، التي ستنتظر غودو بكل تأكيد مثل الوعود الجزائرية السابقة، ليست هدية نهاية العام مقدمة لموريتانيا. ولدى هذا البلد بالفعل منطقة تبادل حر نشطة بالقرب من العاصمة الاقتصادية للبلاد، نواذيبو، على مرمى حجر من الحدود المغربية الموريتانية ومعبر الكركرات التجاري. قرار تبون ليس سوى محاولة جديدة من الجزائر تهدف إلى التشويش على العلاقات بين البلدين الجارين.
لكن ما تنساه الجزائر، كما يفعل بعض محللي الشؤون في منطقة الساحل وشمال غرب إفريقيا، هو أنه إذا لم تحضر موريتانيا اجتماع المغرب-دول الساحل، فذلك ببساطة لأنها غير معنية بهذا الاجتماع المخصص فقط لدول الساحل التي ليس لديها منفذ على المحيط الأطلسي.
فموريتانيا تمتلك شريطا ساحليا على المحيط الأطلسي يبلغ طوله حوالي 900 كيلومتر، بالإضافة إلى مئات الكيلومترات على نهر السنغال الذي يصب مصبه في المحيط الأطلسي.
وفضلا عن ذلك، فإن منطقة الساحل هي منطقة جغرافية شاسعة، لا تقتصر على منطقة الساحل الخمس السابقة وحدها (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد)، بل تشمل عشر دول (وهي بوركينا فاسو والكاميرون وغامبيا وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال وتشاد)، أو حتى 13 دولة إذا أضفنا الرأس الأخضر وساحل العاج وبنين، الأعضاء في اللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في الساحل التي أنشئت سنة 1973.
ومن بين الدول الـ13 التي تم ذكرها، فإن الدول الأربع فقط التي كانت موجودة في مراكش في نهاية الأسبوع الماضي هي دول غير ساحلية. أما باقي البلدان فلها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي، وهي على وجه التحديد، باستثناء بلدان الساحل التي ليس لها منفذ على المحيط الأطلسي، التي حضرت بالرباط في يوليوز الماضي أشغال الاجتماع الوزاري الثالث للدول الإفريقية الأطلسية. وهو الاجتماع الذي شاركت فيه 21 دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي، من بينها موريتانيا.
كما أنه قبل يومين فقط من اجتماع المغرب مع دول الساحل غير المطلة على المحيط الأطلسي، كان وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، في مراكش، حيث شارك في منتدى التعاون العربي-الروسي، الذي انعقد يومي 20 و21 دجنبر. ولو كان معنيا باجتماع المغرب مع دول الساحل، لكان قد مدد إقامته بكل بساطة في المدينة الحمراء من أجل حضوره، أو يعود إلى المغرب بعد يومين، حيث أن نواكشوط هي أقرب عاصمة إفريقية إلى جنوب المغرب، وتربطه بها أيضا أكثر من 14 رحلة أسبوعية مشتركة بين الخطوط الملكية المغربية والخطوط الجوية الموريتانية.
من الواضح إذن أن النظام الجزائري استند على مشكل وهمي من أجل تقديم وعد كاذب، وهو فتح منطقة تبادل حر مع موريتانيا، في حين أن تبون كان يتحدث قبل أيام قليلة فقط عن تعزيز نظام المقايضة التجارية بين البلدين. كما يبدو أن مشروعها لفتح المعبر الحدودي بين موريتانيا والجزائر قبل نهاية هذا العام فشل، ليس لأن عام 2023 يقترب من نهايته فحسب، بل لأن بناء الطريق الإسفلتي بين تندوف والزويرات، والذي تشكله موريتانيا الآن كشرط لتفعيل الممر البري بين البلدين، لم ير النور بعد.
وهذا ما يفسر، بالإضافة إلى الأسباب الأمنية المرتبطة بنشاط ميليشيات البوليساريو والعصابات الإرهابية في منطقة الساحل، أن الحدود البرية الجزائرية الموريتانية لا تزال مغلقة، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
واليوم، تواصل الجزائر تجارتها مع موريتانيا والسنغال عن طريق البحر، حتى لو كان ذلك يعني تكبد خسائر فادحة، لأن هدفها الوحيد يتلخص في التشويش على علاقات المغرب المتعددة الأوجه مع عمقه الإفريقي.