الجنوب الجزائري: ثروة منهوبة وغضب يغلي تحت رماد التهميش

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

في 06/09/2025 على الساعة 20:39

يشكّل الجنوب الجزائري مفارقة صارخة في بلاد «القوة الضاربة»: أرض غنية بالنفط والغاز، لكنها موطن لأشدّ أشكال الفقر والتهميش. فبينما تمثل ولايات مثل ورقلة، حاسي مسعود، أدرار، وتقرت عماد الاقتصاد الوطني، يعيش سكانها، وخاصة الشباب، تحت وطأة البطالة والتلوث وانعدام التنمية. هذا التناقض دفع منظمة شعاع لحقوق الإنسان إلى دق ناقوس الخطر في تقرير حديث، مؤكدة أنّ الأمر لم يعد مجرد أزمة اجتماعية بل انتهاك ممنهج للحقوق الأساسية.

تشهد ولايات الجنوب الجزائري منذ سنوات حالة غليان اجتماعي متصاعد، يكشفها ارتفاع الأصوات المطالِبة بالحقوق الأساسية، سواء عبر احتجاجات سلمية ميدانية أو من خلال حملات على شبكات التواصل الاجتماعي. هؤلاء الشباب الذين يعيشون فوق بحار من النفط والغاز، يجدون أنفسهم في مواجهة واقع قاسٍ: بطالة خانقة، تلوث بيئي، غياب مرافق وخدمات أساسية، وتهميش ممنهج من طرف النظام العسكري الحاكم.

البعد الاقتصادي: نفط الجنوب.. لعنة على أهله

يُعد الجنوب خزان الطاقة الأساسي للجزائر، إذ يساهم بما يفوق 90% من إنتاج النفط والغاز. لكن المفارقة أنّ سكان هذه المناطق لا يرون من هذه الثروة سوى التلوث والانبعاثات الغازية.

ورصد تقرير حديث لمنظمة «شعاع لحقوق الإنسان» أن معدلات البطالة هنالك مرتفعة، والبرامج التنموية محدودة، بينما الشركات البترولية تستقدم عمالة من خارج المنطقة، ما يعمّق الشعور بالإقصاء ويؤجج الغضب.

ونقل التقرير ذاته صرخة مدوية لشباب المنطقة جراء هاته المفارقة: « نعيش فوق بحار من الذهب الأسود، لكننا نموت فقراء».

البعد الاجتماعي: غياب التنمية وتدهور الخدمات

إلى جانب البطالة، يعاني الجنوب من نقص حاد في المرافق الصحية والتعليمية والبنية التحتية، حيث يرصد تقرير منظمة « شعاع » أن المستشفيات تفتقر للتجهيزات، المدارس تعاني الاكتظاظ وضعف التأطير، والمشاريع السكنية تسير بوتيرة بطيئة.ورغم الوعود الحكومية، يضيف التقرير، يبقى التوزيع غير العادل لعائدات الثروة النفطية عقبة أمام تحسين أوضاع السكان. ويرى كثيرون أنّ ما يُصرف على الجنوب لا يعكس قيمته الاستراتيجية ولا يلبّي حاجاته الملحّة.

البعد الحقوقي: من شعارات دستورية إلى واقع قمعي

على الرغم من أن الدستور الجزائري ينص على المساواة في الحقوق والواجبات (المادة 35) وضمان الحق في العمل (المادة 66) والعيش في بيئة سليمة (المادة 21)، ورغم مصادقة الجزائر على مواثيق دولية تكفل حرية التعبير والتجمع، إلا أن هذه النصوص تبقى مجرد شعارات فارغة، خاصة في الجنوب.

واستعرض تقرير « شعاع » أن شباب الجنوب خرجوا في ورقلة وحاسي مسعود للمطالبة بفرص عمل ونددوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالتهميش، إلا أن الرد كان أمنيا.

وخصّ التقرير بالذكر قضايا كل من سفيان حمدات، المحكوم بسنتين سجنا لمجرد نشره لتدوينات على فيسبوك، وياسين سويسي، المسجون بعد تصوير مقطع قصير قرب بئر نفطي، وعبلة قماري، التي تقضي ثلاث سنوات خلف القضبان بسبب فيديوهات ناقدة.

وكشفت منظمة شعاع لحقوق الإنسان، من خلال هاته الحالات، عن سياسة ممنهجة لإخضاع الجنوب وإسكات أي صوت معارض، في تناقض تام مع التزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان.

البعد الأمني: القمع بدل الحوار

أكدت منظمة « شعاع » أن السياسة المتبعة من طرف النظام العسكري تقوم على إخماد الأصوات عبر الملاحقات القضائية والاعتقالات، معتبرة أن هذا الخيار الأمني « لا يواجه جذور الأزمة، بل يزيدها تعقيدا."

واعتبر التقرير أن إغلاق منافذ التعبير السلمي قد يدفع الشباب نحو «خيارات أكثر راديكالية، ليس عن قناعة فكرية، بل كردّ فعل على التهميش والظلم. وهنا يكمن الخطر الأكبر: تهديد السلم الاجتماعي في منطقة حساسة جيوسياسيا ومتداخلة مع محيطها الإقليمي المشتعل».

تهديد للسلم الاجتماعي

حذر تقرير « شعاع » من تحويل المطالب الاجتماعية إلى تهم جنائية، وإغلاق قنوات التعبير السلمي، معتبرا ذلك يشكل خطرا مباشرا على السلم الاجتماعي. فالقمع -حسب المنظمة- لا يحل الأزمات، بل يزرع بذور التطرّف واليأس. في الوقت الذي يعيش فيه شباب الجنوب فوق أكبر ثروة في البلاد، يجدون أنفسهم حراسا على آبار النفط، يتنفسون غازاتها السامة بينما تُحوّل العائدات بعيدا عن مناطقهم.

نحو عقد اجتماعي عادل

ترى منظمة شعاع لحقوق الإنسان أن ما يجري لم يعد مجرّد أزمة تشغيل، بل مسألة حقوق وحريات. وذيلت تقريرها بمجموعة من المطالب والتوصيات بمثابة مسار بديل يقوم على العدالة والشفافية. يشمل ذلك:

- الإفراج الفوري عن معتقلي الرأي

- تخصيص نسبة معلنة من عائدات النفط لتنمية محلية مستدامة

- فرض أولويات تشغيل محلية ملزمة في الشركات النفطية

- حماية البيئة عبر تقييمات مستقلة وتعويض المتضررين

- نشر بيانات شفافة حول الإنتاج والعائدات

- إطلاق منصات حوار علني مع المجتمع المدني في الجنوب

هذه الإجراءات، وفق المنظمة، تمثل الحد الأدنى لتصحيح المفارقة التاريخية بين الجنوب والثروة الوطنية، ولإعادة بناء الثقة بين « النظام » والشعب.

إنّ ما يجري في الجنوب الجزائري اليوم ليس مجرد أزمة اجتماعية عابرة، بل اختبار حقيقي لمصداقية النظام العسكري الذي يزعم احترام حقوق الإنسان... فهل يختار الجنرالات نهج الحوار والتنمية، أم يواصلون سياسة التهميش والقمع التي قد تقود إلى انفجار اجتماعي غير محسوب العواقب؟

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 06/09/2025 على الساعة 20:39