في هذه الحلقة، نقتفي شارع محمد الخامس، من أجل التعرّف على تاريخه وأسراره وإبراز الدور الذي لعبه إبان الفترة الاستعمارية ابتداء من عام 1915. فهذا الشارع، لم يكُن كغيره من الشوارع، بل ظلّ منذ اللحظة التي شُيّد فيها عبارة عن تحفة معمارية أصيلة، كان الغرض من تشييدها من لدن الاستعمار لتشجيع الأوروبيين على الاستقرار في هذا الشارع من أجل مواصلة المشروع الاستعماري. لذلك عمل العديد من المهندسين الأوروبيين على وضع تصاميم حديثة، وعياً منهم بمظاهر التحديث التي بدأت فرنسا آنذاك، تُخطّط لها وتسعى إلى بلورتها، سيما على المستوى الاجتماعي ونظيره الاقتصادي. بهذه الطريقة تم تشييد العديد من المؤسسات والفنادق والسوق المركزي والعمارات التي تستوحي جمالياتها من طرز معمارية حديثة، تجد مرجعها الجمالي في البيئة الأوروبية وتاريخها.
وعلى الرغم من حرص الأوروبيين على محاكاة النموذج الجمالي الغربي، فإنّ مركز البريد مثلاً المقابل لـ « مقهى التجار » يستوحي جمالياته من الزخارف المغربية التي استعان بها المصمم الأوروبي لتكريس شرعيته. على هذا الأساس، يُعد شارع محمد الخامس مختبراً للحداثة الفنية وذلك لكونه جمع العديد من الطرز المعمارية التي انصهرت فيما بينها لتُكوّن خليطاً معمارية مختلفاً يُضمر في عمقه أصالة المعمار الغربي وجمالياته.
حرصت فرنسا أن يكون شارع محمد الخامس مختبراً للحداثة الغربية بالدارالبيضاء. ذلك إنّ الساحة التي تُعرف اليوم بالأمم المتحدة، تكاد تكون المكان الذي عرف ميلاد مفهوم التحديث في العديد من المجالات التي ترتبط بالمجتمع والاقتصاد والدينامية الحضرية. إذْ لأوّل مرة سيخرج الإنسان المغربي من أسوار المدينة القديمة لينظر إلى تحوّلات ومظاهر التحديث بالأمم المتحدة. بهذه الطريقة سيعمل بعض سكان المدينة القديمة على محاولة تقليد الأوروبيين في اللباس والجلوس في المقهى والاحتكاك بهم وتقليدهم على مستوى مظاهر العيش.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا