قصر "الباب العالي" يفرض عودة قناة الجزيرة إلى الجزائر

DR

في 10/09/2020 على الساعة 17:02

بعد عقدين من المنع، ستعود قناة الجزيرة القطرية قريبا إلى الجزائر بدلا من السعودية. تحت ذريعة التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي، يبدو أن الجزائر خضعت في الواقع لإملاءات تركيا من خلال إجراء هذا التغيير المفاجئ للقناة.

أعلنت وسائل الإعلام الجزائرية، يوم الثلاثاء 8 شتنبر، عن قرب إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة القطرية في الجزائر. وذكرت نفس وسائل الإعلام أن هذه العودة ستصاحبها إطلاق السجادة الحمراء أمام القناة القطرية، لأنه من المحتمل تجميد اعتماد منافستها قناة العربية التي يوجد مقرها دبي بالإمارات العربية المتحدة.

حتى "تيلي نيميريك" (Télé numérique) وهي صحيفة تقنية حصرية مخصصة للبرامج والمعدات والأخبار من القنوات الفضائية العالمية، تحدثت هي الأخرى عن هذا الأمر. وكتب هذا الموقع قائلا: "قناة الجزيرة القطرية على وشك العودة إلى الجزائر. بعد أكثر من 20 عاما من المنع، استجابت السلطات الجزائرية لطلب اعتمادها... لكن مكتب منافستها السعودية، أي مكتب العربية، يعيش ساعاته الأخيرة. فطلب اعتمادها قد رفض. لذا يجب على القناة الإخبارية التي تتخذ من دبي مقرا لها أن تغادر الجزائر في الأيام القادمة".

رسميا، تريد السلطات الجزائرية الإيهام بأن عودة قناة الجزيرة تأتي ردا على قرار الإمارات العربية المتحدة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، تؤكد الجزائر تقاربها (الجديد) في وجهات النظر مع قطر، التي نددت بهذا الاتفاق واعتبرته "طعنة في ظهر الفلسطينيين"، في حين أن قناة الدوحة الفضائية لا تفوت فرصة لانتقاد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ أن تحالفت هاتان الدولتان مع دول خليجية أخرى لمحاصرة قطر.

الحقيقة أن موقف الجزائر تمليه اعتبارات أخرى لا علاقة لها بأي دعم للقضية الفلسطينية. من المعروف اليوم أن الخط التحريري لقناة الجزيرة لا يحدد انطلاقا من الدوحة، ولكن قبل كل شيء انطلاقا من ضفاف البوسفور. فبعد حصارها من قبل تحالف ملكيات الخليج، أقامت قطر تحالفا مع تركيا يضمن إمدادها بالمواد الغذائية وكذا أمنها.

لذا فمن هذه الزاوية التركية ينبغي أن نقرأ العودة المفاجئة لقناة الجزيرة إلى الجزائر. من خلال هذه البادرة غير المتوقعة، تؤكد الجزائر ما لاحظه العديد من المراقبين منذ وفاة رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع السابق أحمد قايد صالح. فتركيا رجب طيب أردوغان، الذي يريد استعادة عظمة الإمبراطورية العثمانية، لها تأثير كبير على النظام الجزائري الجديد إلى درجة أن البعض يتحدث عن حقبة جديدة من خضوع الجزائر لـ "الباب العالي".

إن أسباب النفوذ التركي متعددة بالفعل. على عكس سلفه عبد العزيز بوتفليقة الذي قضى جزءا من منفاه في الإمارات ولم يرفض شيئا للإماراتيين، فإن الرئيس عبد المجيد تبون مقرب إلى حد ما من تركيا، إذ أن اثنين من أبنائه محمد وصلاح الدين إلياس يقيمان علاقات مع رجال أعمال أتراك.

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك أنقرة الآن ورقة رابحة بعد أن تمكنت، في الأشهر الأخيرة، من اختراق "برمجيات" الجيش الجزائري، صاحب السلطة الحقيقي في البلاد. كان هذا الاختراق التركي ممكن من خلال الاعترافات التي حصلت عليها المخابرات التركية من الضابط قرميط بونويرة، السكرتير الخاص لنائب وزير الدفاع السابق ورئيس أركان الجيش الجزائري السابق الفريق الراحل أحمد قايد صالح.

بعد أن تم تهريبه إلى إسطنبول من قبل الجنرال واسيني بوعزة، الرئيس السابق للمخابرات الجزائرية (المسجون حاليا)، خضع بونويرة لمدة خمسة أشهر، من مارس إلى يوليوز الماضي، للتحقيق من قبل رجال هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية، قبل تسليمه إلى الجزائر.

تعتقد بعض وسائل الإعلام أن رئيس الدرك الجزائري السابق القدير غالي بلقصير (هارب إلى الخارج) قد اتصل بالمخابرات التركية. كان اللجوء السياسي والحماية مقابل الكشف عن معلومات عن الجزائر هي الصفقة التي تفاوض عليها الجانبان. بمعنى آخر، هذا يعني أن تركيا يمكنها الاحتفاظ بملفات حساسة حول الجيش والرئاسة الجزائرية.

تجب الإشارة إلى أن السكرتير الخاص ورجل الثقة لقايد صالح كان يطلع على ملفات الجيش وتقارير مجالس الوزراء التي كان يشارك فيها نائب وزير الدفاع الراحل.

على أي حال، بعد هذا التحول في الجزائر، التي تخضع لمستعمرها العثماني السابق، استطاع رجب طيب أردوغان أن يضمن له حليفا سهل الانقياد بهدف تحقيق أهدافه في ليبيا على وجه الخصوص، وفي البحر المتوسط بشكل عام. علاوة على ذلك، كتبت إحدى وسائل الإعلام الجزائرية أن عودة قناة الجزيرة، التي توصف بأنها "وسيلة إعلام الإخوان المسلمين"، هي فقط "انعكاس لتحالف تكتيكي مع هذا التكتل الذي يعارض، من بين أمور أخرى، الهجوم العسكري للمشير حفتر في ليبيا". هل يتعلق الأمر بتكتيك؟ غير مؤكد. غير أننا سنلاحظ منذ الآن انحيازا غير طبيعي للجزائر وتماهيا مع الموقف التركي.

يمكن للجزائر أن تواسي نفسها بسبب تحالفها القسري مع تركيا من خلال الاعتماد على الثنائي أنقرة-الدوحة من أجل إقناع قناة الجزيرة بسحب دعمها لمظاهرات الحراك التي من المنتظر أن تعود إلى الواجهة.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 10/09/2020 على الساعة 17:02