ولا يكاد يمر يوم دون أن يسمع المواطن المغربي « الهيدروجين الأخضر » الذي أضحى مسعى عدد من الدول. ومع العرض الذي جرى تعميمه ابتداء من الاثنين 11 مارس الجاري، صار المصطلح أكثر تداولا ولعل أبرز الأسئلة التي تطرح بإلحاح من قبل المواطنين ما هو الهيدروجين الأخضر؟ كيف يستخرج؟ ما هي مجالات استعماله؟ كيف أضحى المغرب يتحدث عنه بتفاؤل؟ وما سر اهتمام الدول الصناعية الكبرى في المغرب ومراهنتها عليه بهذا الخصوص؟ وكيف سيستفيد منه الوطن والمواطن؟
كل الأسئلة التي يمكن طرحها بهذا الخصوص يقدم le360إجابات عنها عبر شروحات وتوضيحات عبد الصمد ملاوي الأستاذ الجامعي الخبير في الطاقات.
ما هو الهدروجين الأخضر وكيف ينتج؟
يقول الدكتور عبد الصمد انطلاقا ملاوي ردا على سؤالنا: « هو غاز يجري إنتاجه بطرق صديقة للبيئة وعند استعماله لا ينتج إلا مواد صديقة للبيئة. سواء في الإنتاج أو الاستعمال لا يجري استخدام مواد مضرة للبيئة.
إن ذرات الهيدروجين موجودة في مجموعة من المواد الهيدروكربونية مثل الغاز الطبيعي والنفط والفحم الحجري، لأن هذه المنتجات تحتوي على ذرات من الهيدروجين والكربون يمكن إنتاج الهيدروجين عن طريقها، لكنه لا يسمى أخضر بل أزرق، وانطلاقا من الهيدروكربونات واستعمال البخار لعزل جزيئات الهيدروجين عن الكربون وتخزينه في الأرض، ولا ينتج إلا نسبة قليلة من ثاني أوكسيد الكربون ويسمى بالهيدروجين الأزرق.
بالمقابل يمكن استعمال الهيدروكربونات، وكذلك الفخم الحجري بطريقة كيميائية لعزل الذرات، لكن ينتج عنه في الهواء ثاني أوكسيد الكربون بنسبة أعلى، ويسمى الهيدروجين الرمادي أو البني لأن نسبة ثاني أوكسيد الكربون في مشتقاته تكون عالية مقارنة مع الهيدروجين الأزرق.
ويمكن إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي، وهو الذي يسمى الهيدروجين الأخضر، ويستخرج انطلاقا من الماء، فمن المعروف أن الماء يتكون من ذرات الهيدروجين والأوكسجين، وتستغل في العملية الكهرباء النظيفة ليكون الهيدروجين أخضر عن طريق أقطاب كهربائية، إذ ينجز الكهرباء عملية عزل الذرات لتصبح ذرات الهيدروجين وحدها وذرات الأوكسجين وحدها، ويعبأ الهيدروجين الذي ينتج في القارورات وهذا هو الهيدروجين الأخضر، كما تجري عملية تعبئة الأوكسجين في قارورات، ويجري تسويقه للاستعمالات الصناعية والمستشفيات والمصحات بالنسبة للتنفس.
انطلاقا من الماء باعتباره مادة صديقة للبيئة لا يجري إنتاج سوى الهيدروجين والأوكسجين، وعند احتراق الأخير لا ينتج إلا الماء ».
مجالات استعمال الهيدروجين الأخضر
ردا على سؤال حول مجالات الاستعمال يقول ملاوي: « إن المجالات التي يستعمل فيها الهيدروجين الأخضر متعددة، إذ يمكن تخزين الطاقة عن طريق الهيدروجين الأخضر، فكما نعرف من بين الإشكاليات التي تواجهنا في مجال الطاقات المتجددة التخزين الذي غالبا ما يجري عن طريق البطاريات، التي تصاحبها مشاكل عديدة لأنها تصنع من مواد خطيرة وملوثة وتكلفتها عالية، كما أن مدة استعمالها قصيرة، فبطاريات السيارات والهواتف أو بطاريات المصادر المتجددة لها عمر افتراضي ما يتطلب تجديدها. ويبقى الهيدروجين الأخضر من بين الأدوات الفعالة للتخزين، كيف ذلك؟ إن الطاقة الكهربائي الفائضة يمكن استعمالها في التحليل الكهربائي للماء وعزل الهيدروجين والأوكسجين، وبالتالي يتحقق إنتاج الهيدروجين الأخضر، ويجري تخزين الطاقة عن طريق توليده، إما عبر حرقه أو استعماله في خلايا معينة ليولد الكهرباء، وبالتالي يصير من بين الآليات الفعالة في تخزين الطاقة بصفة عامة ».
فوائد الهيدروجين الأخضر
أن التساؤل حول فوائد الهيدروجين الأخضر من الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح، ومن هذا المنطلق وجهنا السؤل نفسه للخبير في الطاقات فقال: « فوائد الهيدروجين الأخضر متعددة، فيمكن أن نجده في قارورات كما هو الشأن بالنسبة للغاز الطبيعي، والبوطان، والميطان وغيرها، إلا أنه يتميز بخلوه من الكربون، فهو لا يلوث البيئة وبالتالي لا يحدث استعماله أضرارا بيئية.
ثانيا: يمكن ضغطه وتعبئته بشكل كبير على غرار الغاز الطبيعي علما أن الأخير لا يمكن ضغطه إلا في مستويات معينة أي تقليل الحجم وإكثار الكثافة، وهو ما يمكن من نقل كميات كبيرة عوض كميات محدودة من الغازات التي تستعمل في المخازن نفسها مع محدودية كمياتها.
ثالثا: يمكن أن يستبدل من حيث أماكن التخزين وبكلفة أقل منشآت المحطات الحرارية نفسها التي كانت تستعمل الغازات العادية دون الحاجة إلى آليات جديدة وإعادة هيكلة هذه المخازن، مثلا الطاقة الحرارية التي تولد الكهرباء تستعمل محركات حرارية مثل السيارات، وإذا أردنا استبدال هذه المواد الملوثة التي تولد الكهرباء كالغاز الطبيعي ومشتقاته يمكن استعمال الهدروجين الأخضر بدلها دون استبدال الآليات عبر إجراء تعديلات بسيطة لإعادة استعمال البنيات نفسها للهدروجين الأخضر.
رابعا: من فوائد الهيدروجين الأخضر استعماله في الصناعات الثقيلة والبسيطة والتعدين بالطريقة نفسها، ومزيته أنه لا يولد عند احتراقه إلا الماء، عكس مصادر الطاقة الأخرى التي تولد الغازات الدافئة كثاني أوكسيد الكربون، والتي يسعى العالم إلى التخلص منها عبر البدائل التي يعد الهيدروجين الأخضر من أهمها وينتج بتكلفة أقل.
في المجال الطاقي بالنسبة لبعض الأصناف يجب إعادة هيكلة جميع الآلات والمصانع، فبخصوص السيارة الكهربائية يفرض استبدال المحرك بآخر كهربائي والأليات الأخرى بالنسبة للهيدروجين لا يجري استبدال البنيات التحتية.
من ميزاته أنه يمكن تخزينه بطرق أكثر كفاءة، وأقل حجما، وأكثر أمانا عبر الأمونيا الخضراء، وكلمة خضراء تعني دائما عدم توليد الغازات الدافئة.
إن الأمونيا جزيء يتكون من ذرة الآزوت « النتروجين »، وهو موجود في الهواء بشكل كبير، 80 في المائة من الهواء عبارة عن « نتروجين » أو آزوت، وثلاث ذرات من الهدروجين، وبالتالي يمكن تجميع هذا المكون عن طرق مزج الهيدروجين الأخضر والآزوت الموجود في الطبيعة لتوليد جزيء أكثر استقرارا (الأمونيا) وتخزينه لا يستدعي تبريده إلى درجات عالية البرودة كما هو الشأن بالنسبة للهيدروجين السائل، الذي يجب تبريده وضغطه لمستويات كبيرة ليصير سائلا، عكس الأمونيا التي لا يتطلب تبريدها الأمر كله، وهي تكون أكثر استقرارا لأن الجزيء يكون كبيرا، وبالتالي فإن التسربات الغازية التي تحدث لا تسمح لها بأن تنفذ عكس الهيدروجين القابل للاشتعال.
إن الأمونيا الخضراء من البدائل المهمة لتخزين الهدروجين الأخضر، كما لها استعمالات أخرى مثل إنتاج الأسمدة الفلاحية المستعملة بكثرة.
عوامل تؤهل المغرب للريادة
وكان من الطبيعي أن نستفسر بلسان حال الكثيرين عن العوامل التي جعلت بلدا رائدا في المجال ويجلب الاهتمام، فكان جواب الدكتور عبد الصمد ملاوي كالتالي:
« إن العوامل التي تجعل المغرب من الدول المستهدفة والرائدة بخصوص إنتاج الهيدروجين الأخضر كثيرة، التوجه نحو كل ما يتعلق بإنتاج الطاقات المتجددة، كالكهرباء النظيفة، وهذا ليس متاحا لكل الدول.
فالمغرب باعتباره قضى سنوات في العمل على التموقع عالميا في الإنتاج، وأيضا استدراج مجموعة من المشاريع، وكذلك إنتاج كهرباء نظيفة بنسبة كبيرة، صار من الدول التي بإمكانها الانخراط في هذا المجال.
إن الهيدروجين الأخضر يتطلب الكهرباء النظيفة والماء الحلو والمغرب يتوفر على الشقين، أولا السواحل الكبيرة تمكن في أي محطة من محطات الموانئ من استغلال ماء البحر عبر تحليته، لذلك يعمل المغرب بشكل كبير على التحلية وإنشاء المزيد من المحطات، التي تمكن من تلبية الحاجيات الزراعية والشرب، وهناك في الوقت نفسه توفير الماء الذي يستعمل في التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين وهذا ليس متاحا لمعظم الدول.
المسألة الثالثة التي يستغلها المغرب، ويتوفر عليها هي أن محطات التخزين والتصدير ينبغي أن تكون في البحر لأنها تكون أكثر أمانا، وأقل كلفة، لأن الغاز بصفة عاما تكون طريقة نقله بحرية. أما النقل البري فيكون محليا من محطة الإنتاج إلى محطة الاستغلال.
إن الدول التي لا تتوفر على معدات التخزين البحرية لا يمكنها استغلال الهدروجين الأخضر. لحسن الحظ يتوفر المغرب على سواحل مهمة ويمكن استثمارها في إنجاز مجموعة من محطات التخزين قريبا من الموانئ للتصدير، وهذا من بين الأمور التي تجعل المغرب أكثر قابلية لاستغلال منفذ الهيدروجين الأخضر بالإضافة إلى عوامل أخرى.
إن المغرب وضع منذ البداية استراتيجية واضحة تقوم على توقع المصادر، فمسألة 52 في المائة من الكهرباء النظيفة التي يجب إنتاجها في أفق 2030، لم يعول فيها فقط على الإنتاج الشمسي والريحي والهيدروليكي لأن المصادر الثلاثة تمثل 20 في المائة من الكهرباء المستهلك في المغرب رغم أن المحطات الموجودة يمكن أن تنتج 42 في المائة من الطاقة المستهلكة والمغرب يطمح في أفق 2030 إلى 52 في المائة، كما سبق أن أشرت، ولا يمكنه بلوغ ذلك إلا إذا عزز الإنتاج بمنتجات أخرى واستبدال الطاقة الحرارية أو المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء عن طريق الغاز الطبيعي بغاز الهيدروجين الأخضر.
ويجب أن نستحضر هنا تعهدات المغرب في ما يخص أهداف التنمية المستدامة، الاستراتيجية الوطنية 2030، وكذلك في التعهدات الدولية في المغرب خلال كوب 22″.
قوانين واتفاقيات تدعم عرض المغرب
شرع المغرب مجموعة من القوانين في مجال الطاقات المتجددة، واستغلال إنتج الهيدروجين الأخضر، وهذا يحسب له. هذه التشريعات تساعد المستثمرين، لأن المستثمر لا ينظر فقط إلى ما هو تقني، بل إنه يظر أيضا إلى التشريعات والاستقرار السياسي وانتعاش مناخ الأعمال والمغرب تتوفر فيه هذه الشروط والمؤهلات لأنه اشتغل عليها من زمن وهو بصدد جني الثمار، لأنه بصدد توقيع شراكات واتفاقيات كبرى أذكر منها في ما يخص الهيدروجين الأخضر الاتفاق مع مجموعة من الشركاء في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إنجاز أكبر مشروع الذي سيمول للهيدروجين الأخضر في جنوب المغرب وهو مشروع « أمون » الذي سيمول بحوالي 20 مليار دولار أمريكي وسيمكن من إنتاج حوالي 15 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الكهربائية النظيفة التي ستستعمل في التحليل الكهربائي لإنتاج الهدروجين الأخضر وحوالي 6 ملايين طن من الأمونيا الخضراء في أفق 2030وهو مشروع سيبدأ العمل به سنة 2026 وسيمتد إلى 2032 عبر ثلاثة مراحل وسيمكن من تنزيل عرض المغرب الأخضر وهناك مشاريع أخرى مثل power to x وهذا يروم الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر.
فوائد للموطن والمواطن المغربي
بطبيعة الحال هناك استفادة اقتصادية فالفتورة الطاقية للمغرب كما نعلم تتأثر بتقلبات السوق الدولية على غرار ما شهدناه من ارتفاع للمنتوجات الغذائية والمنتجات التي تستعمل الطاقة. وكان منتظرا أن ترتفع فاتورة الكهرباء لكن بفضل المشاريع الطاقية التي أنتجها المغرب حافظ الكهرباء على سعره وفي المستقبل ينتظر أن ترتفع أسعار النفط وبالتالي فجميع المواد التي تعتمد على الطاقة خصوصا الطاقة الكهربائية في العالم سترتفع أثمانها، وسيتجنب المغرب ذلك لأنه سيتحكم أكثر في ارتفاع الأسعار نتيجة الاستثمار في مجالات الطاقة والتي ستكون نتائجها الاقتصادية مباشرة سواء بالنسبة للخزينة أو المواطن من حيث الفاتورة الكهربائية وفاتورة بعض المواد التي تستعمل الطاقة في الإنتاج.
أما الاستفادة الثانية فهي استراتيجية، فالمغرب لاعتباره شريكا استراتيجيا للاتحاد الأوروبي (تقريبا 60 في المائة من الصادرات المغربية توجه نحو الاتحاد الأوروبي)، وقد سنت المفوضية الأوروبية حزمة قوانين بدأ العمل بها منذ 2023 وتتطور بشكل تدريجي إلى غاية الوصول إلى المواد الفلاحية، والتي يصدرها المغرب، وهو حريص على البقاء في مكانة متقدمة دون أن تتأثر بالضرائب التي لا يمكن للفلاح المغربي أو المصدر والدولة أيضا تحملها (بين 35 و50 أورو عن كل طن من المنتجات التي بها ثاني أوكسيد كربون من الطاقة المستعملة. إن المبلغ كبير ولا يمكن تحمله، والسبيل للخلاص هو الانخراط باستبدال مصادر الطاقة. والمغرب واع بهذه المسألة باعتبار أنه شريككما أنه يحاول استقطاب مجموعة من الاستثمارات الأخرى لأنه ي طمئن المستثمر ويوفر المناخ العام الجيد للاستثمار من خلال توفير العقار والتشريعات وكذلك الرغبة والإرادة السياسية بتشجيع المستثمرين الكبار في الدول الصناعية بالاتحاد الأوروبي والدول العملاقة مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وكلها دول لها مصلحة لاستثمار في المغرب في مجال الطاقات المتجددة والهدروجين الأخضر وبالفعل لهذه الدول مشاريع واتفاقيات تخص مشاريع مستقبلية، ولعلها المملكة المتحدة التي سيكون من بين مشاريعها المنجزة في المغرب مشرور الربط القار الكهربائي سيزود انطلاقا من 2026 إلى 2027 المنازل بالكهرباء المنتجة في المغرب من الطاقة الخضراء، وهذا المشروع له تبعات اقتصادية وسيلية كبيرة بالنسبة للمغرب.
هناك أمور أخرى يستفيد منها المغرب فهذه المشاريع ستفيد المواطن بشكل مباشر عبر توفير مناصب شغل، نحن نعلم أن نسبة البطالة مازالت في المغرب من الرهانات التي ينبغي التغلب عليها، فمن المتوقع أن تكون الطاقات المتجددة جسرا مهما طالما أنها ستخلق 100 ألف منصب أو أكثر وما بين 10 إلى 15 في المائة منها في مجال الهيدروجين الأخضر.
إن المشاريع المستقبلية ستفيد المواطن خاصة الشباب ذوي الكفاءات الديبلومات. وبالمناسبة انخرط المغرب في في مجموعة من التكوينات من إجازة مهنية وماستر أو الدراسات الأساسية، بالإضافة إليى الانعكاس الإيجابي على البنيات التحتية فكما نرى انخرط المغرب في مجال القطارلات فائقة السرعة والطرق السيارة والموانئ مثلا ميناء الداخلة الأطلسي ومحطات تحلية مياه البحر، وكل هذا يصب في خدمة المواطن والتنمية المستدامة التي تساير الاستراتيجيات الطاقية الوطنية.