زحف الأسواق الممتازة وسط المدن يهدد «مول الحانوت» بالإفلاس

البقال يعاني بين مطرقة المنافسة وعدم وفاء الزبون. Copyright (c) 2019 Sergio Delle Vedove/Shutterstock. No use without permission.

في 04/02/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 04/02/2024 على الساعة 10:00

دفع انتشار الأسواق الممتازة والمتاجر الكبرى وسط الأحياء السكنية بالمدن المغربية، التجار الصغار من بائعي المواد الغذائية والخضر والفواكه واللحوم والتوابل... إلى دق ناقوس الخطر محذرين من إفلاس ما تبقى منهم بسبب المنافسة « الشرسة » و »غير المتكافئة » من طرف هذه المؤسسات الكبرى.

وتجددت مخاوف التجار الصغار، خلال الآونة الأخيرة، عقب إعلان العلامة التجارية المصرية « كازيون » عزمها على افتتاح عشرات المحلات التجارية وسط الأحياء السكنية بمختلف المدن المغربية، في خطوة منها تهدف إلى منافسة مثيلتها التركية « بيم »، التي تمتلك اليوم حوالي 670 متجرا في جميع أنحاء المملكة.

واعتبرت هذه الفئة أن تنافس هذين العملاقين فيما بينهما قد لا يضر سوى بما تبقى من الحوانيت التي ما تزال تصارع البقاء وسط الدروب والأحياء الشعبية، بسبب ضعف هامش الربح لدى هذه المشاريع الصغيرة، إضافة إلى الخسائر الناجمة عن عدم التزام بعض الزبائن بأداء ما بذمتهم من ديون. وقد كشف بحث أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، حول تأثير كوفيد-19 على الالتزامات المالية للأسر، أن 19,7 في المائة من الأسر المغربية صرحت بأنها لم تتمكن من تسديد ما في ذمتها اتجاه دكاكين البقالة.

مول الحانوت في خطر

« هذه الكائنات الاجتماعية، التي عرفت عبر التاريخ بأدوارها الهامة في تعزيز السلم الاجتماعي من خلال تموين الأسر وإقراضها بدون فوائد وبلا ضمانات.. صارت اليوم مهددة بالانقراض بسبب خطر الأسواق الكبرى التي تنتشر بكثافة وسط الأحياء السكنية »، يقول محمد الذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن.

وبوضح الذهبي في تصريح لـLe360 أن التجار الصغار لا طاقة لهم على مقاومة المنافسة غير المتكافئة التي تنهجها ضدهم الأسواق الممتازة، من خلال توفيرها لجميع المواد الغذائية والتجهيزية والخدماتية بأسعار تفضيلية وخيارات متعددة.

وأعطى هذا المسؤول النقابي مثالا حيا من الواقع ليكشف لنا حجم الضرر الذي يلحقه افتتاح سوق ممتاز واحد على تجار حي سكني، قائلا: « في حي السلامة مثلا (مقاطعة سيدي عثمان الدار البيضاء)، تسبب افتتاح متجر تركي واحد في إغلاق 20 دكان بقالة، وذلك بسبب عدم قدرة البقال البسيط على المنافسة أمام عروض التخفيضات التي يوفرها هذا المتجر ».

ومضى الذهبي مسترسلا حديثه عن التأثير السلبي للمتاجر الكبرى على فئة التجار الصغار، قائلا: « كانت منطقة الدريسية ودرب الكبير والقريعة (الدار البيضاء) تزخر بمجموعة من الحوانيت الصغيرة، وبمجرد افتتاح إحدى الأسواق الممتازة هناك، أغلقت ثلث الدكاكين أبوابها ولم يبقى هنالك سوى بعض متاجر الجملة التي ظلت تقاوم الاندثار بفضل فئة قليلة من الزبائن الأوفياء ».

قطاع أساسي ولكن

يمثل التجار الصغار 81 في المائة من الفاعلين في قطاع التجارة الداخلية، وهو ثاني قطاع مشغّل في المغرب بعد القطاع الفلاحي، إذ يوفر على الأقل 1,5 مليون منصب شغل، وفق إحصائيات رسمية.

ويقول المهنيون إن المغرب يتوفر على حوالي مليون و700 ألف نقطة بيع، على الصعيد الوطني، تشكل محلات البقالة منها ما يزيد عن المليون، حيث يوفر كل متجر فرصة أو فرصتي عمل.

ويرى الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن أن البقال مُعرض للإفلاس في أية لحظة، ليس فقط بسبب الأسواق الممتازة والمتاجر الكبرى التي تضيق عليه مجاله، بل أيضا بسبب عدم وفاء بعض الزبائن، الذين –حسبه- يديرون ظهورهم لـ »مول الحانوت » مطلع كل شهر ويتهافتون على التبضع من الأسواق الممتازة، وحين تشتد بهم الأزمة في أواخر الشهر يقصدون البقال ويستعطفونه من أجل إقراضهم المؤونة عن طريق « الكارني » (دفتر الكريدي)...

واستطرد الذهبي مضيفا أن « الزبون المغربي قد يخسر 40 درهما في التنقل إلى متجر بعيد من أجل الاستفادة من تخفيض 5 دراهم أو أقل أو أكثر »، معتبرا هذه المفارقة تشكل خللا بنيويا في العلاقة بين الزبون والبقال.

نحو مركزة الشراء

برأي الخبير الاقتصادي والمالي، الطيب أعيس، فإنه « لا يمكن منع شركة مغربية أو أجنبية من فتح متجر، ولكن يمكن عن طريق القانون فرض تشييد الأسواق الممتازة والمتاجر الكبرى في ضواحي المدن وليس وسط التجمعات السكنية ».

ويتفق محمد الذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، مع هذا الخبير في ما ذهب إليه، حيث دعا هو الآخر إلى « سن قانون يمنع تشييد الأسواق الكبرى وسط المدن، كما هو الحال في الكثير من الدول، وذلك لتفادي إلحاق الضرر بالتجار الصغار، وبالتالي حماية هذه الفئة من المنافسة غير المتكافئة، من خلال إبعاد المساحات الكبرى عن الأحياء الشعبية حيث تكثر الحوانيت ودكاكين تابقالت ».

لكن يبدو أن حل المشكلة لا يتوقف فقط على إبعاد الأسواق الممتازة عن حواضر المدن، فبرأي الخبير الاقتصادي والمالي الطيب أعيس فإن الحل يكمن في « ضرورة ارتقاء التجار بمحلاتهم لتكون في مستوى المحلات المنافسة، من خلال توسيع مساحات الدكاكين وتمكين الزبائن من اختيار السلع بأنفسهم على شاكلة المحلات الكبرى، وهذا من شأنه أن يستقطب الزبائن والتنافس مع الأسواق الكبرى ».

وفي الاتجاه نفسه، أكد الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن، محمد الذهبي، أن تنظيمه النقابي طالما دعا الجهات المسؤولة إلى اتخاذ إجراءات واقعية لحماية هذه الفئة من التجار، من خلال « تطوير عمل البقال بإنشاء مراكز للشراء المشترك، وإنشاء تكتلات للبقالة بهدف منافسة الأسواق الممتازة، إضافة إلى دعم تنافسية هؤلاء التجار، لما يقدمونه من دور اجتماعي كبير ».

إجراءات الحكومة لحماية البقال

سبق أن أعلن رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، عن استراتيجية جديدة تهدف إلى حماية وتعزيز مكانة التجار الصغار في النسيج الاقتصادي المغربي.

فخلال جلسة عمومية في مجلس النواب، أكد مزور على أن الوزارة تعمل على إعداد استراتيجية تركز على أربعة محاور رئيسية:

1) إحداث منصات لتمكين التجار الصغار من الحصول على البضائع بأسعار معقولة تتناسب مع تلك المتاجر الكبرى.

2) وضع قانون جديد يحدد « خريطة تجارية » تمكن التجار الصغار من تحديد مكانهم في السوق الوطنية وتحديد ساعات العمل.

3) توفير صيغ لتمويل التجار الصغار الذين يسعون لإعادة هيكلة محلاتهم، سواء من خلال تغيير النشاط أو التخصص في نوع تجاري معين.

4) الرقمنة، عبر تمكين التجار الصغار من عرض بضاعتهم في أكبر مساحة ممكنة، وعدم الاقتصار فقط على المحيط الضيق (الدكان).

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 04/02/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 04/02/2024 على الساعة 10:00