لا غرابة أنْ يأتي سؤال المقالة على شكل استفهام، في وقتٍ أضحى فيه المَشهد واحداً، لا فرق فيه بين الغثّ والسمين كما يُقال. إذْ يكفي عرض فيلم مغربيّ واحد داخل مهرجان عاديّ بالعالم العربي، حتّى يُثير الجدل بـ « عرضه » واعتباره من الأفلام « المهمّة » التي تستحقّ المُشاهدة. هكذا تُصبح المنصّات ووسائل التواصل الاجتماعي تعمل بطريقة غير مُباشرة في ذيوع فيلم لم يُشاهدوه، فيتم كتابةُ مُدوّناتٌ واهيةٌ تتحدّث عن موضوع الفيلم وأسباب حصوله على جائزة أو تكريم أو اعتراف سطحيّ بعرضه داخل مهرجان ما.
وهي نظرةٌ خاطئةٌ تقوم على تغليب المهرجان على طبيعة الفيلم وصناعته الفنّية والجماليّة. فيحشد النقاد ذخيرة نقديّة مُعطّلة لا تخرج عن مدح المخرج ووصف أفلامه ومَشاهده، دون أيّ مراجعةٍ مهنيّة للفيلم بمُختلف أنماطه وصُوَره ومدى علاقتها بالسياقات الفنّية التي يُبدع داخلها متن الفيلم. وهذا ما يُفسّر أسباب بقاء الناقد عن حديث العروض والجوائز وشجونها، غير مُكترث بقيمة العمل السينمائي من ناحيته الرمزيّة وما يُضمره من اشتغالاتٍ سينمائيةٍ وفكريّة.
إنّ هذا الأمر، لا يؤكّد هزالة نقدنا السينمائي فقط، بل الفراغ المهول الذي تعاني منه الساحة السينمائية المغربيّة المشغولة بأخبار الجوائز والترشيحات والعروض. لكنْ، في غمرة هذا الوجع اليوميّ الذي يُرافق سيرة الفنّ السابع بالمغرب ويوميّاته، تبقى المهرجانات السينمائية أكبر مُستفيدٍ من هذه الفوضى الفنّية، إذْ تنتعش دوراتها بأشباه الأفلام والإكثار من السجادات والأضواء وعناوين الجوائز ونجوم الترفيه.
ما يُفسّر طبيعة العطب الذي ألمّ بالمهرجانات المغربيّة في الآونة الأخيرة، إذْ لم تعُد منصّاتٌ تُساهم في تهذيب الذوق العامّ ونشر الثقافة السينمائية وفتح أسواق الاستثمار في وجوه المُنتجين، بقدر ما أصبحت فضاءاتٌ لتفاقم البلاهة وتأجيج الفُرجة واللغو على حساب السينما وجمالّياتها ومُتخيّلها. ولا يكاد مهرجان يخلو من طرائفه ومكائده في صناعة نجوميةٍ مُزيّفة لا علاقة لها بالسينما. إذْ يعثر الناقد على كثيرٍ من الوجوه التي لا يعرف أحدٌ سبب وجودها ولا أعمالها ولا كتاباتها، لكنّها مع ذلك تحضر هنا وهناك.
تعبث المهرجانات المغربيّة بالسينما وتطمس تاريخها وذاكرتها وجماليّاتها ورجالاتها وتجعلهم في حكم المجهول. مادامت هذه المهرجانات لا تتوفّر على برنامجٍ سينمائي واضح المعالم والرؤى، إذْ تبحث دوماً عن الأفلام المعروضة عالمياً لا من أجل عرضها ومُشاهدتها ومُناقشة خطاباتها البصريّة وما تقترحه من مُتعٍ وأفكار ومفاهيم وجماليّات، بل من أجل مُمارسة سُلطةٍ باهتةٍ عن المهرجانات الأخرى، فتغدو هذه المهرجانات توصف بـ « الكبيرة » ولا « الهامّة » و « المُؤسّسة » لكنْ الحقيقة غير ذلك. لهذا فإنّ مثل هذه المُمارسات تُهدّم مشروع السينما المغربيّة وتجعلها تدخل في غيبوبة مُستنقعٍ يصعب الخروج منه، رغم ما تشهده المنصّات الإلكترونية من تحوّل أنطولوجي يساهم في تأصيل الفرجة السينمائية ويجعلها تفتح لنفسها نافذة جديدة في علاقة المُشاهد بالفيلم.