رغم التحولات التي عرفتها الثقافة المغربية في السنوات الأخيرة، لم نعثر يوماً على تداول المفهوم بالشكل الصحيح والعمل به داخل القطاع السياحي، خاصّة بالنسبة لبلدٍ له تاريخه الخاصّ الضارب في قدم الحضارة. فلا سياحة بدون هذا العنصر الثقافي الذي يعطي للمعالم الأثرية والتشكيلات الطبيعية واللقى الأثرية والأعمال الفنية بعداً تاريخياً، يجعلها تستقرّ في ذاكرة السائح. فأغلب المواقع السياحية قبل أنْ تكون معلماً فنياً فهي بدرجةٍ أولى لها خصوصية تاريخية معيّنة. وبالتالي، فإنّ فهم واستيعاب هذا التاريخ يُساعد المرشد السياحي على ضبط تاريخه وحقبه وملامحه الفنية والجمالية، فهذا البعد الثقافي يزيد من قيمة المرشد السياحي وأهمية المعلم الأثري من الناحية الثقافية. بهذه الطريقة فبدل أنْ تصبح السياحة ترفيهاً واستهلاكاً واستجماماً، تغدو أفقاً ثقافياً للعناصر المُكوّنة للذاكرة المغربية والتي تضمن لها استمراريتها وسيرورتها داخ المجال العام.
إنّ أغلب المهرجانات الثقافية المقامة بعدد من المدن لا تراهن على مفهوم السياحة الثقافية فتعمل جاهدة على إخراج الثقافة من المدرجات والقاعات، صوب أمكنة سياحية مثل تنظيم لقاءات أدبية بفضاءات تاريخية كمُحاولة لإعطاء النشاط الثقافي أبعاده الرمزية. لكنْ في مقابل ذلك تعمل الكثير من المهرجانات الفرنسية على وضع مفهوم السياحة الثقافية في صلب المهام التي يقوم بها المهرجان، وذلك لكون السياحة جزءٌ لا يتجزأ من الثقافة، إذْ تجعلها تفتح لها أفقاً يساهم في التعريف بالموروث الثقافي لبلدٍ ما. وإذا كان الوعي بأهمية السياحة الثقافية لم يتبلور بعد مغربياً، فذلك يعود إلى هشاشة الوسط الثقافي وعدم قدرته على تشكيل مفاهيم الحداثة، فالثقافة ليست عبارة عن كتب تُكتب أو لقاءات أدبية يتم تنظيمها فقط من أجل التنظيم، وإنّما هي في عمقها تُعاش وتُدرك وتُحسّ داخل الفضاءات العمومية التي ينبغي أنْ يكون دم الثقافة يجري في شرايينها بدل أنْ تتحوّل إلى مجرّد ساحات وبنايات.
بما أنّ المغرب يحبل بالعديد من المواقع الأثرية ذات البعد الثقافي، فإنّ ذلك يساهم لا محالة في جذب العديد من السياح، غير أنّ تلك المواقع ينبغي أنْ تُقدّم بطريقة علمية لائقة وتتضمّن معلومات عن المواقع وتاريخها وبعض من جمالياتها. وهو عملٌ يقوم به المرشد السياحي بدرجةٍ أولى، إذْ ينبغي أنْ يتوفّر فيه الشرط الثقافي حتّى يستطيع أداء المهمّة بشكل جيّد. وتحرص البلدان المتقدّمة أنْ تُعطي لهذا الأثر دلالات كبيرة في كلّ موقع تاريخي وذلك من ناحية التعريف به وجعله حاضراً لا ينقضي. إنّ الإيمان بالسياحة الثقافية جعل العديد من الدول الأوروبية تحق نهضة قوية عبر مفهوم الثقافة، إذْ هناك العديد من المتاحف تحقق أرباحاً طائلة بعض المدن الإسبانية والألمانية بسبب ما تعرضه من محتويات سندها الفن ومحتواها الثقافة.