هذا يعني أنّنا أمام 4 عناصر فنية، يقوم من خلالها المخرج السينمائي باستحضار التراث وعوالمه. ورغم ما قد يبدو من اهتمام بيّن في التعامل مع التراث من الناحية السينمائية، إلاّ أنّ سؤال التراث، ما يزال مغيّباً داخل السينما المغربية، وحتّى إنْ وُجد فهو عبارة عن إكليشيه بصري يُنمّط الصورة السينمائية ومداراتها. لا ينبغي للأفلام أنْ تُقدّم نفسها على أساس أنّها أفلام تراثية، وإلاّ قامت بدحض شرعيتها المعرفية تجاه هذا المفهوم. فلا ينبغي أنْ يعرف المُشاهد أنّه أمام فيلمٍ تراثي، بل ينبغي أنْ يشعر به شخصياً، ويُحاول عبره أنْ يبني عالماً من الرموز والعلامات.
إنّ الاهتمام بالتراث شغل مجمل المبدعين في مجالات مختلفة من الإبداع مثل التشكيل والمسرح والأدب، لكنّ استحضاره في السينما لم يأخذ صبغة جدية، كما هو الحال بالنسبة للتشكيل مثلاً. وقد يعتبر البعض أنّ سؤال التراث داخل السينما الآن، مُتجاوزاً لأنّه سؤال ينبني على إمكانية العودة إلى الماضي، في وقتٍ تطمح فيه السينما على التوجّه صوب الأمام. وذلك بما يجعلها سينما حداثية مفتوحة على تحوّلات الواقع اليوميّ. خاصّة وأنّ هذا الواقع يصعب فيه القبض عن مفهوم الهوية المغربيّة، بحكم زئبقية المفهوم وعدم استقراره في موضعٍ ما.
لقد قاد الاهتمام بالتراث إلى اجتراح تيار تشكيلي عُرف به فنانون مغاربة كثر مثل محمد المليحي وفريد بلكاهية وأحمد الشرقاوي ومحمّد شبعة. وكان الاشتغال على هذا المفهوم، قد ساهم مُبكّراً في ذيوع التشكيل المغربي ورسم هؤلاء الفنانين صورة مختلفة للفن المغربي، أكثر تجذّراً في التراث. والحقّ أنّ هذا اللجوء إلى التراث لم تمليه دوافع فنية وجماليّة، بقدر ما كانت في جوهرها أشيه بصرخة فنية وثورة سياسية على مخلفات وترسّبات الاستعمار داخل اللوحة المسندية. وإلى حدّ الساعة، تحظى هذه الأعمال بأهمية كبيرة، لأنّها تُقدّم على أساس أنّها تُمثّل التشكيل المغربي، وغالباً ما يتم الاحتفاء بها في معارض جماعية كبيرة خارج المغرب.
إنّ الوعي بالتراث داخل اللوحة التشكيلية، تحقّق بوعي مُختلف وكبير، مقارنة بالتجارب السينمائية التي ظلّت تُقدّم التراث بطريقة هشّة ومُكرّرة لا تتجاوز عنصر الإكسيسوار. فغالباً ما يحضر التراث، باعتباره مجرّد إكسيسوار لمشهد طبيعي خارجي أو داخلي. وهي رؤية بصريّة تتحكّم فيها الحكاية التي ترسم ملامح المشهد وما ينبغي أنْ يكون عليه.