كتاب جديد يكشف الأبعاد الروحية والاجتماعية والتنموية في إفريقيا

تأتي قيمة الكتاب في كونه يفتح نافذة جديدة حول إفريقيا وما تعيشه اليوم من تحوّلات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية. وهو عبارة عن تحوّل كبير في تاريخ إفريقيا، بما جعل العديد من دولها تصبح ذات مكانة رفيعة داخل محيطها الدولي. غير أنّ هذا التحوّل الذي باتت تعرفه إفريقيا، لا يرتبط فقط براهنها وإنّما أيضاً بتاريخها الضارب في القدم والذي أصبح اليوم يشكل أفقاً بالنسبة للعديد من البلدان الإفريقية التي تحرص على الاستثمار في تاريخها من أجل بناء علاقة دبلوماسية مع البلدان الأخرى. من ثمّ، فإنّ النّظر في الجغرافية الإفريقية يدفع العديد من الدول الإفريقية إلى البحث عن أشياء تميّز بلدانها من أجل الرهان عليها كأفق لبناء الحاضر.

يعتبر التصوف أحد المفاهيم المهيكلة للراهن الإفريقي، إذْ عرفت إفريقيا العديد من المتصوفة الذين لعبوا دوراً طليعياً داخل عدد من الزوايا، بما يجعل إفريقيا اليوم تتميّز بأبعاد روحية تُميّزها عن عدد من الدول. على هذا الأساس، فإنّ الرهان الرأسمال التاريخي يُمكّنها اليوم من أنْ تتنزّل منزلة رفيعة في إطار ما يسمى بالدبلوماسية الروحية التي يغدو فيها الرأسمال الديني مدخلاً للتسامح وتوطيد علاقات دولية.

وعياً بهذه المسألة، تجسّد القارة الإفريقية نموذجاً فريداً للتونع الثقافي والديني على المستوى العالمي، حيث تتعانق تيارات روحية وفكرية متوعة، لترسم لوحة إنسانية غنية بالألوان، ويبرز التصوف الإسلامي نفسه كأحد العناصر التي تشكل ملامح هذا التنوع، إذْ مثل عبر العصور قوة ديناميكية ساهمت في تشكيل الهوية الروحية والاجتماعية للقارة. فالتصوف لم يكن مجرّد ممارسة دينية فردية، بل تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية أثرت بعمق في نسيج المجتمعات الإفريقية وعملت على تعزيز قيم التسامح والسلام والعدالة، كما أسهمت في بناء جسور التواصل بين الشعوب.

والحقيقة « أدت الطرق الصوفية دوراً محورياً في نقل المعارف الدينية والروحية، وتشكيل الوعي الجمعي، بل وتجاوزت ذلك إلى المشاركة في بناء الكيانات السياسية والاجتماعية. فمنذ ظهور التصوف في إفريقيا، أصبح ركيزة أساسية في ترسيخ السلم الاجتماعي وتعزيز التماسك بين الأفراد والجماعات، حيث عمل على تجاوز الانقسامات العرقية والدينية وخلق مساحات للحوار والتعايش. كما كانت للطرق الصوفية إسهامات بارزة في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، إذْ قدمت حلولاً عملية مستمدة من قيمها الروحية والإنسانية ».