نفتقر في المغرب والبلاد العربية عموماً إلى ثقافة الاعتراف التي تجعل مؤسسات وجمعيات تعمل على تخليد أسماء بعض المبدعين في مجالات مختلفة من الأجناس الإبداعية، بما يضمن لها سيرورتها دال الوسط المجتمعي. غياب ثقافة الاعتراف نابعة من هشاشة التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد وهو صغير داخل المدرسة. ذلك إن مدارسنا لا تعلّمنا معنى الاعتراف وقيمته وجمالياته في حياته اليومية. فلا غرابة أنْ تكون آفة هذه الثقافة التجاهل والنّسيان كأنّ الذين كتبوا وأبدعوا أفلاماً ولوحات ومسرحيات وروايات لم يكونوا بيننا يوماً. ماذا يستفيد المبدع في هذه الحالة؟ لا شيء. إنّه فقط يُجمّل حياة الناس ويجعلهم يعيشون في أفق فني مختلف، مع أنّه لا يتلقّى أيّ اعتراف، إذْ بمجرّد ما يموت ويرحل عن هذا العالم يصبح مشروعه الفني محض خرافة وهباء. إنّنا اليوم في زحمة اللقاءات والبرامج والمعارض في حاجةٍ ماسّة إلى ثقافة الاعتراف، حيث يغدو للمثقف والفنان قيمة كبيرة في الحياة اليومية، لأنّهم ليسوا أشخاص عاديون، بل طاقات إبداعية مذهلة وعقول أصيلة تُفكّر فيما يُمكن أنْ يستحقّه الوطن من ثقافة وفنّ وجمال.
تعتبر الثقافة الغربية المصدر الوحيد للثقافة المغربية، إذْ يوجد العديد من المفكرين والأدباء لم يتم الاعتراف بهم مغربياً إلاّ في اللحظة التي اعترفت بهم فرنسا وأمريكا. بل أصبح الاعتراف الأجنبي بمثابة جواز مرور إلى الثقافة المغربية. فهناك الكثير من المبدعين أصبحوا معروفين مغربيا فقط لأنّ الآخر اعترف بفنّهم وأفلامهم وكتاباتهم. كيف يُمكن بناء ثقافة وطنية حقيقية وأصيلة بمنأى عن الاعتراف بالمبدعين المغاربة؟ أيّ أفق يُمكن أنْ نصبو إليه اليوم ثقافياً ونحن نرى كيف ينهار التعليم العمومي؟ أعتقد أنّنا مقبلون على مرحلة سيتم فيها طي صفحة الإبداع، فالمؤسسات تُراهن على أناس عبارة عن آلات يؤدون وظائفهم ومهنهم في صمت، دون الخيال والحلم. أيْ أنّ الناس تتعامل مع الخيال وكأنّه بذخ فكري وأن طبيعة التحوّلات التي يشهدها الواقع في العالم تفرض علينا أْ نكون واقعيين، فهم لا يُدركون أنْ كلّ شيء في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة يبدأ من الحلم.