جائزة رئيس الجمهورية.. حين يسخر عبد المجيد تبون من أدباء الجزائر ويُمرّغ كرامتهم على الأرض

في 17/06/2025 على الساعة 21:00

منذ اللحظة التي أعلن فيها وزير الثقافة والفنون زهير بللو عن موعد تسليم « أكبر » جائزة في الجزائر والتي تحمل عنوان « رئيس الجمهورية لإبداعات الشباب » في مجالات تتعلّق بالشعر والرواية والمسرح والسينما والتشكيل والكوريغرافيا والموسيقى وفنون الأداء، انهال عليه مجموعة من المثقفين وأدباء الجزائر على خلفية كواليس هذه الجائزة « الرئاسية » وقيمتها المادية والنجاح الذي لا تُقدّمه للفائزين الشباب.

قيمة مادية سخيفة

انتقد المثقف الجزائري الطريقة التي بها يتم تسيير الجائزة والقيمة المادية السخيفة التي تُقدّم للفائزين الشباب. إذْ يحصل الفائز في المرتبة الأولى على مبلغ 3000 دولار أمريكي و2000 للمرتبة الثانية و1000 دولار لصاحب المرتبة الثالثة. بما جعل مجموعة من المثقفين يعتبرون الجائزة هزيلة ولا ترقى إلى الاسم المُلتصق بها. ذلك إنّ الجوائز الوطنية معروفة بقيمتها المادية الكبيرة ورمزيتها الأصيلة والمجد الواسع الذي يُصاحب الفائزين بأجناسها الأدبيّة والفنّية، بحكم ما تقدّم لهم من شهرة واسعة داخل أوطانهم بعدما يحصلوا على الجائزة.

على هذا الأساس، فإنّ هشاشة الجائزة التي يمنحها رئيس الجمهورية تُقدّم مثالاً ساخراً عن المأساة الحقيقية التي أصبحت تطبع الجزائر. إذْ لم يتوقّف عبد المجيد تبون منذ اللحظة التي أصبح فيها رئيساً للجمهورية على إنتاج الكذب وتسويغه من لدن إعلام رسمي مدعّم من نظام العسكر حول قيمة السؤال الثقافي وضرورة دعمه وتكريسه، باعتباره رأسمالاً حقيقياً ينبغي الحفاظ عليه من خلال دعم كافة المبدعين والفنانين. في حين أنّه مع توالي الأيام يكتشف المثقف والفنان في الجزائر، أنّه أمام نظام عسكري يحتقر الثقافة ويُذلّل الفنانين ويُنكّل بالمثقفين ويحُدّ من حرية تعبيرهم، كما هو الحال مع الكاتب الجزائري بوعلام صنصال.

مزحة ثقافية

فطن المثقف أنّ الجائزة التي تدّعي « الرئاسية » مجرّد تدريب إنشائي ومزحة أدبية وتضليل كاذب يمارسه نظام العسكر، حتّى يُطهّر وجهه ويبدو للعالم في صورة نظام يعشق الثقافة ويدعّم المثقفين والفنّانين. والحال أنّ الجائزة التي تحمل ضمنياً اسم الفنان علي معاشي (أعدمته السلطات الفرنسية عام 1958) والمرتبطة عمداً باسم رئيس الجمهورية، تُظهر الطريقة الحقيقية التي بها ينظر عبد المجيد تبون إلى أهل الثقافة والفن في الجزائر. إذْ كيف يجوز أنْ تحمل جائزة وطنية اسم رئيس الجمهورية وتُقدّم جائزة هزيلة تبدو عبارة عن تعويض مادي حول ندوة علمية أو مشاركة جامعية؟

وفي الوقت الذي أصبحت في الجوائز العربيّة تمنح جوائز كثيرة ومبالغ كبيرة رغم أنّ الجهات المانحة لذه الجوائز تكون أحياناً مجرد مؤسسات صغيرة، فإنّ النظام الجزائري يقدّم سنوياً هذه الجائزة الهزلية وفي يوم فنان شهيد، دون تقديم أيّ اعتبار للفنان الجزائري. هذا الأمر يعني أنّ نظام العسكر لا علاقة له بالثقافة والممارسات الفنية ببلاده، فهو يعتبرها مجرّد إكسيسوار فاقع اللون، لا طعم لها أمام أكاذيبه السياسية وانتصارات الدبلوماسية الواهية، بعدما أصبح عبرها عبد المجيد تبون يُشبه الدونكيشوط الذي يحارب الفراغ.

بيد أنّ هذه النظرة التحقيرية الساخرة للنظام تجاه الثقافة والمثقفين في الجزائر، هي التي تدفع ضمنياً وبشكل يوميّ جملة من الأدباء الجزائريين للكتابة باللغة الفرنسية والهجرة صوب مواطن أخرى أكثر رحمة واعترافاً بالثقافة وبالمجهودات التي يقومون بها على مستوى التخييل الأدبي والتعبير الفني والجسدي.

لم تحقق الثقافة الجزائرية أيّ قفزة نوعية في مجال الأدب والفن والسينما، وذلك بسبب المشاكل التي يجدها المثقف/ الفنان تجاه نظام العسكر ودخول البلد مع البوليساريو في سلسلة من الأوهام السياسية الطاحنة التي تزيدها مكراً وكذباً واغتراباً داخل المحيط الإقليمي والدولي. ذلك إنّ المتأمّل للساحة الثقافية، يجد نفسه أمام ثقافة تعيش على ماضيها، لا على حاضرها وعلى أسماء تاريخية بعينها، في مقابل غياب سحيق للنظام ودوره في توجيه المبدعين الشباب.

اسم لا علاقة له بالواقع

إنّ المُثير للدهشة أنّ الجائزة التي تحمل اسم رئيس الجمهورية والتي أُقرّت بمرسوم رئاسي ابتداءً من سنة 2006 لا تحمل في طيّاتها أيّ تأثير من عبد المجيد تبون، إذْ تأتي منذ 19 سنة وتمضي في حال سبيلها، دون أنْ يلتفت أو ينتبه إلى أنّ هناك جائزة وطنية تحمل اسمه وينبغي الاهتمام بها وبقيمتها المادية ودلالتها الرمزية.

لذلك فهي تُعتبر عربياً من الجوائز التي لا تأثير لها ولا شهرة يستفيد الشخص الحاصل عليها، لأنّها أصبحت بدون قيمة رمزية، رغم حرص النظام ووزارة الثقافة على التغنّي بها في يوم الفنّان.

والدليل على ذلك أنّ كل الفنانين والأدباء الذين حصلوا على هذه الجائزة، لم يصبحوا مشهورين داخل بلدهم، بل لا يتمّ استضافتهم داخل الإعلام الرسمي من أجل التعريف بهم وبمشاريعهم الأدبيّة وإنجازاتهم الفنّية. وهذا الأمر، يظهر بقوّة عدم اهتمام نظام العسكر بالثقافة والمثقفين ولا يولي لهم أي اهتمام يُذكر، بل يحرص عبر الجائزة التي يمنحها لبعضهم، من أنْ يجعلهم في موقف ساخر أمام المجتمع بكامله.

كما أنّ وزارة الثقافة باعتبارها الجهة التي تُقدّم الجائزة، لا تعمل لا من قريب ولا من بعيد على ترويج كتب الفائزين وأعمالهم الفنية داخل معارض الكتاب والأنشطة الثقافية الوزارية، بما يعطيهم حظوة على مستوى الانتشار. إذْ لا يعثر القارئ العربي على أيّ مؤلف لهؤلاء الأدباء داخل المكتبات العربية، إيماناً من النظام الجزائري أنّ الثقافة « نخبوية » في نظره وأنّ الجائزة التي تحمل اسم رئيسها غير مؤثرة، بالمقارنة مع الخطابات السياسية التحريضية التي أصبحت تُشتهر بها الجزائر داخل المنطقة المغاربيّة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 17/06/2025 على الساعة 21:00