وتأتي هذه المحاضرة العلمية على خلفية ما غدت تُقدّمه لنا السينما من مباحث نظرية قويّة وأسئلة وجوديّة ذات امتداد عميق بما ينضح به الواقع. ورغم أنّ السينما داخل الجامعة ومراكز البحث العلمي تبقى في حكم اللامفكّر فيه، إذْ لا نعثر على رغبةٍ حقيقيةٍ تهدف إلى جعل السينما درساً فكرياً عميقاً وقاطرة منهجية للتفكير في كتابة تاريخيّة جديدة. إنّ ما تمنحه لنا الصُوَر اليوم، يستحيل أنْ يُنسى وأنْ نتعامل معه على أساس أنّه مجرّد تعبيرٍ وجداني. فالسينما تُبلور فكراً جديداً أكثر علاقة بالواقع، سياسياً واجتماعياً.
تتميّز السينما في كونها تستطيع داخل الثانية الواحدة بلورة أكثر من حقيقة أنطولوجية واحدة. إمكاناتٌ لا يستطيع الخطاب الشفهي منه والمكتوب على تحقيق هذا التأثير الذي تُمارسه السينما وما تمنحه من مساحات للتفكير بالنسبة للباحث.
أما عن علاقة السينما بالعلوم الإنسانية، فهذا أمرٌ جديدٌ لم نُعاينه بعد داخل ثقافة مغربيّة تقليدية، ماتزالت تحبو على عتبات الصورة ومُتخيّلها. فالكتابة البحثية داخل مجالي العلوم الإنسانية والاجتماعية لم تُبلور بعد خطاباً فكرياً متيناً حول السينما باستثناء دراسات شحيحة غارقة في فلسفة السينما أكثر من كونها تُقدّم خطاباً فكرياً يستمدّ أدواته وميكانيزماته من الفيلم السينمائي المغربي. كما هو الحال في كتابات ستانلي كافيل ومارك فيرو وإنْ من زوايا نظرٍ مُختلفةٍ تتقاطع بين الفلسفة والتاريخ.
هذا ويُعدّ محمّد اشويكة، من النقاد والباحثين البارزين المهتمين بالسينما، وقد صدر له مجموعة من المؤلّفات في النقد السينمائي والقصّة وأدب الرحلة وغيرها، نذكر منها: الحب الحافي، « خرافات تكاد تكون معاصرة، « احتمالات » (سيرة كائن من زماننا)، « أنفاس الجغرافيا/ رحلات في المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر »، « الصورة السينمائية: التقنية والقراءة »، « العرض السينمائي.. تصوراً للعالم »، « الصورة السينمائية.. مستويات الفهم والتأويل »، « السينما المغربية: من الخدمة العمومية إلى النقاش العمومي ». هذا إضافة إلى كونه حاصل على الدكتوراه في الفلسفة في أطروحة في موضوع « التفكير الانطولوجي في السينما.. ستانلي كافل نموذجا».