تُشكّل الثقافة الأمازيغية عنصراً جمالياً هامّاً تتغذّى منه الثقافة المغربيّة. إذْ نعثر داخل الأدب المغربي المكتوب بالعربيّة على مظاهر التأثير والتأثّر. بما يجعل هذه الذاكرة الفنّية مؤثّرة في الأدب العربي وتطبعه بنوعٍ من التميّز عن باقي الحضارات الأخرى. ورغم أهمية هذا الموروث الأمازيغي بالنسبة للفنّ المغربي، لم يتمّ استثمار هذا الرافد المؤثّر في بيئته ونظامه. فإذا تجاوزنا تجارب كلّ من محمّد شبعة وفريد بلكاهية وأحمد الشرقاوي، لا نكاد نعثر إلاّ على تجارب قليلة عملت على استبطان هذا المُكوّن الأمازيغي داخل اللوحة المسندية، بما يضمن لها ديمومتها واستقرارها وتجذّرها في بيئتها وتاريخها.
والحقّ أنّ الاهتمام اليوم بالأمازيغية فقط من الجانب السياسي والعمل بها داخل الحياة السياسيّة اليوميّة لا يسعفنا في فهم هذه الثقافة العريقة الضاربة في القدم. بل إنّ تشجيع البحث فيها يبقى عاملاً أساسياً له علاقة بالمؤسّسات وبضرورة إيجاد سبل من أجل التعريف بتراثها وتشجيع كل الباحثين فيها الذي يعملون على تدوين تاريخها وتوثيق تراثها ورصد أهم ملامحها الفنّية والجماليّة واللحظات التاريخيّة العصيبة التي مرّت منها في سبيل الاعتراف بها كهويّة وثقافة.
وإذا تأملنا مُجمل الفيلموغرافيا المغربيّة، لا نعثر على الأمازيغية إلاّ باعتبارها موضوعاً أو حكاية، أيْ أنّ الاهتمام بها لم يخرج عن إطار النصّ والكتابة عموماً. لكنّ الاهتمام بها كملمحٍ فنّي أو نمط جمالي داخل الصورة السينمائية، فهذا حلمٌ لم نُحقّقه بعد. لا ينبغي التعامل مع الأمازيغية باعتبارها إكسيسواراً داخل فيلم أو إطار طبيعي يحتضن بعض الأحداث أو يُميّز مجتمعاً عن الآخر. وإنّما ينبغي فهم جوهر هذه الثقافة واستثمارها داخل الفيلم المغربي كثقافة ومُختبرٍ بصريّ قادرٍ على إبراز التنوّع وتوليد العلامات.
فالكمّ الهائل من الصُوَر والعلامات والموتيفات الفنّية التي تحبل بها الثقافة الأمازيغية قادرة على تقديم صورة سينمائية مغايرة تتميّز بالتجذّر وعدم الامحاء داخل الثقافة الغربيّة. من ثمّ، فإنّ هذا الانشغال بالثقافة المحلية وأبعادها الرمزيّة قد أصبح ضرورة مُلحّة داخل السينما المغربيّة، بحكم الاجترار الذي بدأ يطبع متونها الفيلموغرافية والاستلاب البصريّ الذي يُحولّ فيلماً مغربياً إلى صورةٍ مُصغّرة عن السينما الفرنسيّة أو الأمريكية أو التركية. إنّ الأمر له علاقة بمجهود فكري من لدن المؤلّف والمُخرج معاً في قدرتهما على إظهار هذه الثقافة الأمازيغية داخل الفيلم، حتّى تصبح علامة بصريّة دائمة ومُتجدّدة في وجدان المُشاهد المَغاربيّ.
ولا شكّ أنّ غياب المهرجانات الخاصّة بالسينما الأمازيغية وجماليّاتها، يُساهم يوماً بعد يوم في تغييبها داخل المجتمع، بحكم أنّ بعض المهرجانات لا تتعامل معها إلاّ باعتبارها فولكلوراً لا أكثر. وهذا يُشكّل في حدّ ذاته نظرة سطحية لجوهر هذه الثقافة الأمازيغية، لأنّ الأهم يبقى في كيفية اعتماد علاماتها الرمزيّة ومُحاولة اجتراح أفقٍ سينمائي أمازيغي له طابع التجدّد والتنوّع.
فهذا الأمر، يُتيح للمُشاهد فهم واستيعاب المجتمع الأمازيغي انطلاقاً من السينما، لكونها قادرة على رصد تحوّلات الأفراد وقصصهم وحكاياتهم داخل المجتمع وإبراز مآزق وتصدّعات الفرد داخل بلده، عبر مجموعة من المَشاهد السينمائية المُستلّة من الواقع. فكلّ ما تعمل عليه بعض المهرجانات، أنّها لا تتجاوز هاجس التعريف بتراثها، حيث يغدو الفيلم عبارة عن ماّدة إعلامية غير قادرة على التخييل، بما تختزنه من قصص رمزيّة ودلالات تاريخيّة وأبعادٍ جماليّة، تُساعد هذه السينما على تحقيق نهضتها من خلال تاريخها وما تحبل به من أسرار.