يحتلّ الجسد منذ بداية الألفية الثالثة داخل السينما المغربيّة، مكانة رمزيّة هامّة تنفسي معها كلّ أشكال التحريم للتجسيد داخل الصورة منذ صدر الإسلام، بما يجعله اليوم مختبراً لتفكيرٍ يفتح منافذ قويّة للصورة السينمائية ويجعلها قادرة على التقاط مُختلف ملامحه، بين مختلف أشكال وتمثّلات الجسد الصوفي والسوريالي والواقعي والاستيهامي والجنسي. وهي كلّها تمظهراتٌ بصريّة قادرة على استنبات آلاف الصُوَر وتوليفها عن طريق قصصٍ وحكايات بطريقة يُصبح فيها الجسد موضوعاً أنطولوجياً يتجاوز كونه مجرّد آلة لتوليد الرغبات حسب ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسيّ جيل دولوز. غير أنّ المُتأمّل للمَشهد السينمائي المغربيّ، لا يكاد يعثر على النمّط الذي يجعل من الجسد قضيّة وجوديّة تدين مُختلف السُلط الرمزيّة والميتافيزيقية التي تُحرّم الجسد.
لهذا فإنّ استخدام الجسد في الفيلم المغربيّ، ما يزال خاضعاً بالدرجة الأولى إلى عوامل نفسية تدفع المُخرج إلى نوعٍ من الحشمة التي تقوده إبتداع صُوَرٍ مُكرّرة. فهذه الـ "حشمة" تتحكّم فيها عوامل ذات علاقة بالمرجعية الدّينية والتربية والتنشئة الاجتماعية، وهي عناصر تحول دون تحقيق فعل التحرّر داخل الصورة السينمائية. غير أنّ الإفراط في بعض المَشاهد الإيروتيكية، قد ينزع عن الفيلم أصالته الفنّية والجماليّة، ويجعله يندفع بقوّة صوب نوعٍ من التمثيل الجسدي الذي يلهث وراء الأبعاد التجارية للجسد وحمولاته النفسية على جسد الآخر.
إنّ عملية المنع التي رافقت بعض الأفلام المغربيّة مثل: "حب في الدارالبيضاء"(1991) لعبد القادر لقطع و"حجاب الحب"(2009) لعزيز السالمي و"الزين لي فيك"(2015) لنبيل عيوش. نابعة بالأساس من فهمنا الخاطئ لمفهوم الجسد وتمثّلاته داخل السينما. إذْ ينبغي التمييز، بين الجسد الفيزيقي الواقعي المحكوم بالضوابط والأعراف والتقاليد، ثمّ بين الجسد التخييلي الخاضع للذائقة الجماليّة للمُبدع فالمُمثّل يدخل في لحظةٍ إبداعٍ صوفية تجعله ينسى كلّ الأعراف والتقاليد لكون الصورة هي فقط مُتخيّلة وخاضعة للمسار الدراميّ بدرجةٍ أساس. وبقدر ما تكون العلاقة بين الجسد والواقع قويّة، فإنّه بالواقع بالنسبة للجسد مجرّد مُختبر لتوليد الأشياء، لأنّ الصورة تظلّ العامل الأساس الذي يتحكّم في الفهم ويُطارد المعنى ويُنتج الصُوَر بما يحمله من دلالاتٍ رمزيّة.
هذا وتكاد تكون الصورة الإيروتيكية، تكون النّمط الفنّي المُشتهى للمُخرج والمُتلقّي معاً. فالأوّل، تُمثّل بالنسبة له عامل منعٍ وربحٍ جماهيري، وهذا ما يدفعه دوماً إلى البحث عن مَشاهد جريئة يستطيع التأثير من خلالها في المُشاهد. بحيث أنّ هذا الافتتاح بالجسد يبدأ من مرحلة "البوند آنونس" الذي يُخضع فيه الصُوَر السينمائية إلى عملية تكثيف مُفتعلٍ للمَشاهد الجريئة، فيبدو الفيلم بالنسبة للمُشاهد العادّي وكأنّه فيلم إيروتيكي، مع العلم أنّه قد لا يتوفّر إلاّ على مَشاهد قليلةٍ.
وهذا النوع هو الذي يحظى بجوائز عالمية وعلى إمكانات دعم أجنبي وقُدرة كبيرة على التأثير في المُشاهد، سيما إذا ترافقت هذه المَشاهد مع وجوهٍ أيقونية بارعةٍ في فنّ الأداء. فهذه الإكليشيهات أصبحت مطلوبة في المهرجانات الدولية وتسترعي اهتمام اللجان وتُدعّمها وتجعل منها علامة مميّزة لسينما جديدة تُطوّع الجسد وتُفاقم من مدى تأثير على جسد المُشاهد.
أمّا الثاني، فهو يستمدّ ذوقه الجمالي من المُخرج الذي يُزوّده بعشرات الصور. لكنّه في نفس الوقت، ينتقد المنتوج بدعوى أنّه مُنحرف ولا يتماشى مع قيمه وعاداته وتقاليده ومُعتقداته. فهذا التناقض السكيزوفريني يقضي على فعل الإبداع ويجعل السينما المغربيّة ذات ميسمٍ تربويّ قوامه الاستهلاك الترفيهي وعماده الموعظة الأخلاقية. ففي غمرة الصورة السينمائية أو الجسد المُتخيّل غير المرغوب فيه، ثمّة كبثٌ كبير لا مفكّر فيه أيضاً يستحقّ بدوره أنْ يُصبح موضوع دراسةٍ نفسيّة. فهذا الجسد المتخيّل غير مُرحّب به لدى المُشاهد المغربي، لكنّه مرغوبٌ في سراديب الصمت.