أشرف الحساني يكتب: المهرجانات المغربيّة.. البحث عن اللامعنى

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 10/11/2022 على الساعة 18:00

تدعو المهرجانات السينمائية العربية إلى الاكتئاب، حيث الكل يبدو وكأنه يتسابق على غنيمةٍ متخيّلة مربحة وراء عرض أفلام سينمائية وصُوَرها.

في العرف الفنّي، تُثير المهرجانات السينمائية ابتهاجاً كبيراً في جسد المرء، بحيث تدفعه إلى المُشاركة في النقاش وتحليل الأفلام وإجراء حوارات مع مخرجين وغيرهم من العاملين في الصناعة السينمائية، بهدف خلق جو من النقاش الفكريّ، حيث تُصبح فيه العملية السينمائية مسألة "ديمقراطية" على حد تعبير ستانلي كافيل. وهذا الأمر، غالباً ما لا نعثر عليه داخل مهرجاناتٍ مغربيّة مفتوحة على علاقات الصداقة والقرابات العائلية.

فالناقد يجد نفسه داخل بعض المهرجانات في أمكنة سياحية، أكثر من كونها فضاءات خاصّة بمشاهدة الأفلام وتأجيج النقاش حول بعض الموضوعات ذات الصلة بالسينما. فالمُشكل الحقيقي أنّ الناس، لم تستوعب حتّى معنى إقامة مهرجان سينمائي مغربيّ، في وقتٍ يُعتقد أنّ الهدف من إقامتها كامنٌ في الترفيه واستهلاك الأفلام.

فهذا المفهوم السطحي للمهرجانات له علاقة أساساً بغياب الناقد السينمائي، الذي يُعتبر المُحرّك الأساس للمهرجانات السينمائية، انطلاقاً ممّا يقوم به من دور فنّي على مُستوى تسيير جلسات المخرجين وعرض الأفلام وتقديمها ومحاورة مخرجيها وإقامة جسر تواصل بين الصورة والمُشاهد. لكنّ أغلب المهرجانات تعتبر الناقد مشاغبٌ بطبعه، لأنّه لا يستقرّ عند حالةٍ إلاّ وينتقدها، فتجد فيه بعض الجمعيات الثقافية عامل إزعاج بالنسبة لها، لأنّه في نظرهم يُكثر من طرح الأسئلة والنقد، مُعتمداً على آلية تفكيكية في نظره ومُعاينته لبعض الأفلام ومحتوياتها وما تطرحه من أسئلة فكريّة وجماليّة ذات علاقة بالواقع المغربيّ.

وإذا كان المغرب يُعدّ في طليعة البلدان العربيّة، التي تتوفّر على عددٍ كبير من المهرجانات السينمائية، فإنّ ذلك لا يُعدّ حقيقة عامل جذب وأهمية للسينما المغربيّة، لكون أنّ هذه الأخيرة قد لا تنتج في السنة سوى 3 أفلامٍ جيدة، غالباً ما تُعرض داخل مهرجانات دولية، حتّى تستنفذ إمكاناتها بالنسبة للمُتلقّي، فيتم عرضها ببعض المهرجانات العربيّة، ثم المغربيّة بشكلٍ متأخّر وفق أمورٍ قد لا تتعلّق عموماً بالسينما ومُتخيّلها.

فما الدافع وراء تأسيس كلّ هذه المهرجانات السينمائية في المغرب؟ ومن المُستفيد الأكبر من هذه الأفلام التي تُعرض داخل صالاتٍ ضيّقة لا يستفيد منها المجتمع؟ كيف يُمكن تربية أجيالٍ سينمائية جديدة في وقت نحتكر فيه المُشاهدة السينمائية ونُوجّهها إلى فئاتٍ مُعيّنة؟ وما الدافع إلى تأسيس "المركز السينمائي المغربي"(1944) في حالة ما لم يتمّ تقنين هذه المهرجانات، بما يتماشى مع المشاريع الثقافية الخاصّة بالبلد وبطريقة تستفيد منها كلّ الفئات؟ كما كان الأمر خلال ثمانينيات القرن الـ 20 مع ما سُميّ بـ "الأندية السينمائية" و"القافلات السينمائية"، بحكم ما لعباه من دور طلائعي في تكريس السينما في المغرب، باعتبارها فنّاً جماهيرياً قادراً على استئصال التأخّر التاريخيّ حول علاقتنا بالصورة بكافّة مُتخيّلها البصريّ والخروج بالمُجتمع من براثن الجهل والتقليد.

تنظر المهرجانات المغربيّة إلى السينما، بوصفها فنّاً ترفيهياً يمنحنا شعوراً بالراحة والطمأنينة تجاه ما نُشاهد. فيتم التعامل مع الأفلام وكأنّها مجرّد مواد بصريّة تستحقّ أنْ تُشاهد فقط، بدل التفكير فيها وفيما تطرحه من قضايا وإشكالات. وأحياناً إذا تمّ ذلك داخل بعض ندوات المهرجانات، يكون الكلّ حاضراً ما عدا الناقد السينمائي، الذي يتمّ تناسيه عن قصد حتّى لا يُشارك ويُقدّم نقداً أصيلاً لبعض الأفلام.

تختار بعض المهرجانات السينمائية العديد من الممثلين والممثلات للمُشاركة في بعض الندوات، لكنّ الإضافة تكون هشّة ومُحتشمة، فنادراً من الممثلين ممّن يتوفرون على ثقافة سينمائية قويّة، تُمكّنهم من تقديم رأيّ أصيل حول بعض إشكالات السينما المغربيّة، فتتحوّل الندوة إلى مجرّد بوحٍ وجداني يُعطّل عملية التفكير في الصورة، التي عادة ما يُمارسها الناقد بشكلٍ يوميّ، لكونه عارفاً بالسياقات التاريخيّة والنظريات الفنّية والمفاهيم الجماليّة، التي تُسعفه على تفكيك ميكانيزمات الصورة السينمائية وإعادة ربطها بسياقات الفيلم وعلاقته بتحوّلات الواقع المغربيّ.

فهذه الطريقة في النّظر إلى السينما كأداةٍ تجارية، تمّ تكريسها منذ بداية الألفية الثالثة، حينما بدأت المؤسّسات تتحدّث عن الطابع التجاري للسينما، وما يُمكنها فعله في هذا المضمار، وذلك من أجل خلق دينامية اقتصادية لبعض المدن التاريخيّة التي تستقطب تصوير بعض الأفلام. وهذا الأمر، شجّعته المؤسّسات الإنتاجية العالمية وأصبح الرهان يتمحور بدرجةٍ أولى حول كيفية استغلال هذا الفنّ لأغراض اقتصادية محضة. وقد نبّه إلى ذلك منذ سبعينيات القرن الـ 20 روّاد مدرسة فرانكفورت مع كلّ من والتر بنيامين وتيودور أدورنو، انطلاقاً ممّا قدّمته هذه المدرسة من أفكار كانت تُدين الأفق الفكريّ الجديد الذي غدا آنذاك يُظلّل مفهوم الفنّ عامّة وانحلاله وجعله غير مرتبط بالحركات السياسية والثورات الاجتماعية والزجّ به في مدارات تتعلّق في مُجملها بالترفيه والاستهلاك.

لا تطمح المهرجانات المغربيّة إلى السينما ومُتخيّلها وفهم الرجّات العميقة التي تُحدثها الصورة في اجتماعها المغربي، بقدر ما تعمل على البحث عن اللامعنى المُتمثّل في الترفيه والسياحة، بما يجعل أغلبها مجرّد حفلاتٍ وأعراس وموائد، لا تُناقش فيها السينما ولا تطمح الجهات الوصية على خلق مهرجانات سينمائية أصيلة وصلبة، كما عايناها خلال ثمانينيات القرن الماضي، إذْ رغم ضعف الموارد المادّية، ظلّت بعض المهرجانات حريصة على تقديم أفلام والدفع بالنقاد إلى واجهة المَشهد السينمائي، من أجل تغييره وخلق جدلٍ فكريّ يُعوّل عليه في تقييم طبيعة الأفلام السينمائية وفهم سيرتها الجماليّة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 10/11/2022 على الساعة 18:00