"ديرو النية" شعار أطلقه وليد الركراكي في المونديال.. فما مفهوم هذه العبارة؟

DR

في 18/12/2022 على الساعة 22:00

لا شك أن المنتخب المغربي كان الفريق الذي صنع الحدث في كأس العالم 2022، حيث بات العرب والأفارقة وحتى الأجانب يضربون به وبمدربه وليد الركراكي المثل.

وفاجأ الركراكي المغاربة والعالم بما حققه مع المنتخب المغربي في مونديال قطر، حيث أبان عن حرفية عالية وإدارة حكيمة لفريق لم يسبق له أن وصل إلى أدوار جد متقدمة في كأس العالم، ليصبح في هذه النسخة من المونديال أول فريق عربي وإفريقي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم.

وتمكن الركراكي، بعد ظرف وجيز من توليه منصب مدرب المنتخب المغربي، الذي يلقب بـ"أسود الأطلس"، (تمكن) من أن يجعل من هذا اللقب حقيقة يتغنى بها ويفتخر بها المغاربة عبر العالم.

وأبرز ما يميز هذا المدرب الشاب والمحنك، هو الثقة في النفس، التي مررها للاعبين بأسلوبه السلس والمليء بالرسائل والعبر، وأشهر جملة اشتهر بها الركراكي، والتي أصبحت شعار المنتخب المغربي وكل المغاربة في مونديال قطر هي "ديرو النية"، فبـ"نية" الاجتهاد والمثابرة تمكن المنتخب المغرب من الدخول إلى التاريخ من أوسع أبوابه، والتحول من منتخب متواضع خيب أمال جمهوره في عدة بطولات، إلى منتخب ناجح، مبهر نافس أقوى المنتخبات العالمية، ليصل إلى المربع الذهبي بمونديال قطر.

"ديرو النية" ألهمت المغاربة والعرب وحتى الأجانب، الذين أصبحوا يبحثون عن معنى هذه الكلمة التي رددها الركراكي في تصريحاته، فأصبحت شعار المغاربة خلال المونديال.

"دير النية" ليست بعبارة حديثة، فالمغاربة يستعملونها في عدة مواقف، ولكنهم لمسوا دلالتها وقوتها في هذا الحدث الكروي الضخم، حيث حولت "النية" فريقا فقد ثقة جمهوره، إلى فريق ملهم لكل العالم، وبفضل "النية" اكتسب المنتخب المغربي ثقته في نفسه، وعلم أنه يمكن أن يجعل المستحيل ممكنا.

فما مفهوم النية؟

حسب عالم الأنثروبولوجيا المغربي، حسن رشيق: "أن نقول عن شخص أن لديه النية يعني أنه يمتلك إيمانا، وأنه واثق من نفسه ومعتقداته... وأن هناك استمرارية بين نيته وسلوكه".

وتابع: "تشير كلمة النية إلى علاقة بسيطة ومباشرة بين الإرادة والقول والفعل. هي تلهم الثقة بين الناس، وتشير إلى الإخلاص والشفافية والصراحة والاستقامة، وتتعارض مع النفاق والشك والحيل وما إلى ذلك. إنها مصدر للطاقة والثقة عندما يؤمن بها الناس".

وبخصوص من يتجاهل قوة المعتقدات، ويشككون في واقعيتها، يقول حسن رشيق مستشهدا بمقولة لتوماس وتوماس، سوسيولوجيان أمريكيان، 1928: "إذا حدد الرجال مواقف على أنها حقيقية، فإن عواقبها تكون حقيقية".

وكشف رشيق أنه لم يتم دراسة النية كقيمة إلا نادرا، ويتضمن بحث "مسح القيم الوطنية"، الذي تم فيه تركيب البحث الوطني حول القيم الذي تم إنجازه في إطار الأشغال المرتبطة، بتقرير بـ50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق التنمية.

وأنجز البحث خلال شهري شتنبر وأكتوبر 2004، وقامت بالإشراف عليه لجنة علمية مكونة من الأساتذة: رحمة بورقية، وعبد اللطيف بنشريفة ومحمد الطوزي. وحرر الأستاذ حسن رشيق هذا التقرير بتنسيق مع اللجنة سالفة الذكر.

النية مفهوم "معقد"...

وفسر هذا البحث مفهوم النية على أنها "مفهوم معقد، فهي تحمل معنى مزدوجا ديني واجتماعي. فعلى الصعيد الديني، تحيل هذه الكلمة على شرط ضروري يسبق العديد من الفرائض الدينية كالصلاة والصوم. فشخص ما يجد نفسه في وضعية يستحيل عليه فيها الأكل لأسباب مادية، لا يستطيع في آخر النهار أن يعتبر هذا الامتناع القهري عن الأكل صوما، لأن شرط النية كان غائبا".

الاستعمالات الاجتماعية للنية

وعن الاستعمالات الاجتماعية للنية، جاء في نص التقرير: "الاستعمالات الاجتماعية للنية عديدة. فحين نقول بأن شخصا ما عنده النية، فإن ذلك يعني أنه ذو إيمان، وأنه يملك ثقة في نفسه وفي اعتقاداته والمفهوم السائد يقضي بأن النية كانت غالبة في الماضي. ففي السابق كان كل شيء مسخرا، المعاملات التجارية، الزواج، طقوس العلاج... لأن الناس كانت لديهم النية".

وتابع: "القول بأن شخصا ما هو "نية" يعني أن هناك وصلا بين نيته وسلوكه والنية تفرض علاقة بسيطة ومباشرة بين النية والقول والفعل وهي تلهم الثقة بين الناس وتحيل على الصدق والشفافية والصراحة والاستقامة، وتتعارض مع النفاق والشك والارتياب والخدعة... شخصا والنية فضيلة بالتأكيد. لكنها، على عكس الكلمة، تعتبر في سياقات أخرى كنقيصة. فالشخص / النية يصبح ، ساذجا. فما يعتبر إيجابيا في سياق ما يغدو قدحيا في سياق آخر. فأن نقول للناس ماذا نفكر فيه بالضبط، وما ننوي فعله، والاعتقاد بأن ما يقوله الناس هو فعلا ما يفكرون فيه ويفعلونه كلها مواقف تعبر عن السذاجة. وأن يصبح المرء بدون نية يعني أن يتعلم إخفاء نواياه وأحاسيسه وبالتالي الشك في نوايا وأحاسيس الآخرين، والاعتقاد بأن هناك هوة بين النية والفعل".

فهل مازال المغاربة والمغربيات يستمرون في الإيمان بـ"النية"؟

أظهر هذا التقرير أن 31% فقط من المغاربة يعتقدون بأن أناس اليوم مازالوا متشبعين بالنية، وبالنسبة لهذا المبدأ المفتاحي لضبط العلاقات الاجتماعية، يمكن الحكم على درجة الارتباط بالتقليد بشأن النية بأنها ضعيفة. إن هذه التقديرات عن النية هي تقديرات عامة ولا تخص سوى سلوكات الآخرين. وهذا الأمر يمكنه أن يعكس فكرة قائمة مفادها أن كل القيم التقليدية هي في طريق الزوال.

تحرير من طرف غنية دجبار
في 18/12/2022 على الساعة 22:00