ماذا حدث حتى تعم مظاهر الفرحة المدن المغربية الكبرى يوم الاثنين 9 دجنبر؟ في الواقع، أصل أجواء الفرحة هاته تعود إلى ما وقع في منطقة بعيدة في الشرق الأوسط. بعد سنوات من الحرب الأهلية وعدة عقود من الديكتاتورية، سقط نظام بشار الأسد يوم الأحد 8 دجنبر 2024، وهو ما يمثل نقطة تحول تاريخية لسوريا ومواطنيها البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة، بما في ذلك أكثر من نصفهم الآن خارج البلاد. واختار أكثر من 5400 شخص الاستقرار في المغرب.
بالنسبة لهم، جمعت هذه اللحظة التي طال انتظارها لنهاية الدكتاتور الجالية السورية في الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش، من بين مدن أخرى. جالية اكتسحت شبكات التواصل الاجتماعي بنشر رسائل الفرح، كما اكتسحت شوارع المغرب بالأعلام السورية والمغربية. وفي الدار البيضاء، المدينة المضيفة لبعض هؤلاء اللاجئين، التقى Le360 بخمس أشخاص منهم.
ياسر سليم، البالغ من العمر 55 سنة، و«رئيس الجالية السورية في المملكة المغربية»، وهو اللقب الرسمي الذي منحته له في مارس 2023 وزارة الخارجية السورية. ياسر سليم، المقيم في المملكة المغربية منذ عشرين عاما تقريبا، يقدر المغاربة ويشعر وكأنه في بلده. فهو يرى في المغرب أرض الضيافة والفرص وذهب إلى حد وصفه بأنها «سويسرا العالم العربي». وأكد أن اختياره للإقامة والاستقرار فيه يعود إلى الحياة الهادئة في البلاد، مقارنة بسوريا التي شهدت عقودا من الاضطرابات. وتحدث أيضا عن الفرص المهنية العديدة التي وجدها هنا.
كما أشاد ياسر سليم بمميزات بلد استطاع منذ سبعينيات القرن الماضي أن يدمج الجالية السورية بأحياء ومساجد تحمل أسماء معبرة مثل حي السوريين، حيث يوجد «مسجد السوريين» الشهير في طنجة.
بالنسبة للعديد من السوريين الذين تمت مقابلتهم، أصبح المغرب أكثر من مجرد بلد مضيف، بل أصبح موطنا حقيقيا حيث تمكنوا من إعادة بناء أنفسهم، واستعادة طعم الحياة، والحصول على وظيفة وتكوين أسرة، بعد معاناة طويلة. الجميع ممتنون لشعب لطيف وملك ودود، «ملك سافر إلى مخيمات اللاجئين السوريين، وكان دائما بجانبنا»، كما أوضحت أليس مدني، البالغة من العمر 27 سنة، وهي طالبة سورية في الصحافة والإعلام. ربيع، 35 عاما، طباخ، وأب لطفلين يقدمهم بكل فخر على أنهم «مغاربة»، رحب بنا في مكان عمله. وأشاد بحسن الضيافة المغربية وعبر عن الارتياح الذي يشعر به في البلاد: «لم أشعر قط بأنني أجنبي.. المغاربة مثل السوريين في طريقة عيشهم وفي علاقاتهم مع بعضهم البعض».
صمود
ورغم بعض العوائق، مثل حاجز اللغة الذي ذكره ربيع، إلا أن هناك إجماعا على هدوء العيش في المغرب. ويجب القول إن مساراتهم تميزت بقدر كبير من الصمود، وإحساس كبير بالتكيف، والرغبة في الذهاب إلى الأمام.
وقد تمكن العديد من السوريين من تطوير مشاريع مهنية وتوفير حياة أفضل لعائلاتهم. وتم إدماجهم في المغرب في كثير من الأحيان من خلال ممارسة المهن والوظائف المرتبطة بالخدمات، وخاصة في مجال المطعمة. يقول محمود، 32 عاما، الناشط أيضا في هذا المجال: «أنا أعمل بجد، لكن المغرب يكافئني على ذلك. مستقبلي أصبح هنا».
وإذا كانت الحياة في المملكة هادئة اليوم، فإن الطريق للوصول إليها لم يكن سهلاً بالنسبة للكثيرين منهم. أليس مدني تحدثت مطولا عن الأوضاع المعيشية في سوريا. وتذكرت قائلة: «في سوريا، كنا محرومين من الكهرباء. كل شيء كان يتم تقسيمه وتوزيعه وفقا لأمزجة المسؤولين». وعانى علي محمود بن مرجع الأمرين قبل أن يصل إلى المغرب. وأكد لنا قائلا: «بعد إقامة لمدة عام في موريتانيا، عدت إلى المغرب بطريقة غير نظامية من خلال عبور صحراء مالي ومروراً بالجزائر».
البقاء
اليوم، عاد الأمل من جديد. إسقاط بشار الأسد يوحد كل محاورينا. ويؤشر إلى أيام أفضل لبلدهم الأصلي. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تنتشر احتفالاتهم في المغرب يوم 9 دجنبر في جميع أنحاء العالم على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
تتحدث أليس مدني عن نصر عظيم للشعب السوري وللمنطقة برمتها. وأوضحت أن النظام البائد أخذ منهم كل شيء كأمة، إلا حب الوطن. وهذا الارتباط بالوطن ينضاف إلى التصميم على المساعدة في جهود إعادة إعمار البلاد. ومع ذلك، فإن المغرب كان وسيظل نقطة الارتكاز. بشير كمال، صاحب مطعم شاب، وصل إلى المغرب عندما كان عمره 8 سنوات في عام 2014، يرفض العودة: «أختي تطلب مني العودة إلى سوريا، لكنني لا أريد ذلك. حياتي لن تكون جميلة كما هي الآن هنا».
وتتجه كل الأنظار نحو سوريا، على أمل إعادة الإعمار. لكن في هذه الأثناء، لا يزال المغرب يمثل بالنسبة لهم ملاذا آمنا، وبلد مستقرا يوفر لهم فرصا للاندماج.




