«أزمة الريادة».. نقص حاد في المقررات يُرهق الأسر والكتبيين وسط صمت الوزارة

خصاص مقررات مدارس الريادة يرهق الأسر والكتبيين

في 12/11/2025 على الساعة 07:00

فيديوتواجه بعض الأسر المغربية التي يدرس أبناؤها في «مدارس الريادة» أزمة حقيقية بسبب الخصاص المستمر في المقررات المدرسية، ما يُرهق كاهلها ويُعرقل انطلاقة الموسم الدراسي. وتتفاقم الأزمة في ظل تبادل الاتهامات بين الأطراف المعنية من كتبيين وناشرين، وغياب أي تحرك فعلي من طرف وزارة التربية الوطنية، التي ما تزال تقف موقف «المتفرج» من تداعيات هذا الارتباك.

ومع اتساع رقعة هذا النقص غير المسبوق في عناوين أساسية لمواد متعددة، تحول الدخول المدرسي الحالي، الذي مضى على انطلاقه أزيد من شهرين، إلى مشهد من الارتباك والفوضى، خصوصا في المدن الكبرى، حيث يضطر أولياء الأمور إلى التنقل يوميا بين المكتبات دون جدوى، بحثا عن مقررات صارت أشبه بـ«عملة نادرة».

الآباء بين الإحباط والمعاناة

أرخت أزمة الخصاص بظلالها الثقيلة على أولياء التلاميذ، الذين وجدوا أنفسهم في سباق مرهق ومُحبط لتوفير الكتب لأبنائهم. ورصدت جولة ميدانية لـLe360في عدد من الأحياء بالدار البيضاء، مثل حي «الأحباس»، معاناة الآباء والأمهات في هذا البحث المضني.

وقال أحد الآباء إنه يبحث منذ أسابيع عن مقرري الفرنسية والرياضيات لابنه الذي يتابع دراسته بإحدى المدارس الرائدة بضواحي مدينة سطات، ما اضطره إلى التنقل إلى الدار البيضاء دون جدوى.

وبلهجة غاضبة، قالت أم تلميذة تتابع دراستها بإحدى مدارس الريادة في مدينة المحمدية إنها تعبت من التنقل يوميا إلى هذا المكان لاستكمال مقررات فلذة كبدها، ورفعت كلتا يديها معبرة عن شعورها بالإحباط واليأس بسبب مرور الوقت دون أن تحقق نتيجة، داعية الوزارة الوصية إلى إيجاد حل عاجل لهذا المشكل الذي يؤثر على انطلاق الموسم الدراسي.

هذه الأزمة التي طالت عناوين أساسية في مواد متعددة، ووضعت آلاف التلاميذ في وضع تعليمي غير متكافئ داخل الأقسام بين من تمكنوا من اقتناء نسخ محدودة وصلت بشكل متقطع، ومن ما يزالون ينتظرونها منذ أسابيع.

وفي ظل هذا العجز، لجأ بعض أولياء التلاميذ إلى حلول «ترقيعية» مكلفة، من قبيل نسخ المقررات المفقودة على شكل «بولي كوب»، رغم أن مصاريف نسخ كتاب واحد تفوق سعره الحقيقي بعشرات الأضعاف. كما يضطر آخرون إلى الاعتماد على نسخ مصورة أو صور يتم تداولها في مجموعات «واتساب».

أصل الأزمة

أجمع عدد من الكتبيين الذين تحدث إليهم Le360 على أن أصل المشكلة يكمن في « فشل المنظومة الناشرة في الالتزام بوعودها »، سواء على مستوى الطباعة أو التوزيع أو التواصل، مشددين على أن الناشرين تأخروا بشكل كبير في إنتاج الكتب، دون تقديم أي شرح رسمي لسبب هذا التأخر أو للخطة المعتمدة لضمان التغطية الوطنية.

وقال جمال، وهو مسير مكتبة بحي الهدى بسيدي مومن، إن السبب الرئيسي وراء هذا الخصاص هو تأخر طبع الكتب المدرسية الخاصة بمدارس الريادة، ما حال دون توفيرها في الوقت المناسب مع انطلاق الدراسة.

وأضاف جمال في تصريح Le360 أن مشكل التوزيع بدوره ساهم في تفاقم الأزمة، إذ لم يتم تزويد المناطق بشكل متوازن بالكميات الكافية، مما جعل العرض الحالي لا يواكب الطلب الكبير، وتسبب في نفاد الكتب بسرعة من أغلب المكتبات.

ويؤكد كتبيون أن ضعف هامش الربح، الذي يتراوح بين 4,10 دراهم لأرخص كتاب و14,80 درهما لأغلاها، دفع عددا من أصحاب المكتبات إلى العزوف عن بيع هذه الكتب أحيانا، لعدم تغطية الأرباح حتى مصاريف التنقل للبحث عنها بين دور الطباعة.

وتتراوح أسعار هذه المقررات المفقودة بين 4,10 و4,94 درهما لمقررات مادة الفرنسية، وبين 7 و10 دراهم لمقررات مادة الرياضيات، ومن 11,50 إلى 14,80 درهما لكتابي اللغة العربية.

مضاربة في الأسعار

انعكس هذا الخصاص والفوضى على أسعار بعض الكتب، حيث يستغل بعض الكتبيين ارتفاع الطلب ليرفعوا سعر المقررات النادرة، إذ يرتفع سعر كتاب الفرنسية من حوالي 4 دراهم إلى 100 درهم أو أكثر، في ظل غياب أي تدخل من الوزارة لضبط هذا الانفلات.

ولم تحدث مثل هذه الأزمة خلال العامين السابقين، علما أن تجربة المدارس الرائدة انطلقت عام 2023. وتكمن جذور الأزمة الحالية في قرار الوزارة طرح الكتب المعتمدة في مدارس الريادة للبيع بالمكتبات لأول مرة، بعد أن كانت توزعها مجانا خلال العامين السابقين (2023 و2024)، مما تسبب في ارتباك كبير على مستوى النشر والتوزيع، خاصة مع ارتفاع عدد مؤسسات الريادة إلى 4626 مؤسسة هذا الموسم.

تجربة على المحك

سبق لرابطة الكتبيين بالمغرب أن دقت ناقوس الخطر، مؤكدة أن المهنيين يتكبدون تبعات هذه الأزمة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الإداري، نتيجة غياب الشفافية في تحديد الكميات الموزعة والهامش الربحي، وعدم احترام جدولة التزويد المتفق عليها ضمن دفتر التحملات، حيث طالبت الوزارة الوصية بالتدخل العاجل لإلزام الناشرين باحترام التزاماتهم وضمان توزيع عادل ومنتظم للمقررات، ومشددة على أن هذا الخصاص بات يهدد مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ عبر التراب الوطني

وتأتي هذه الانتقادات في سياق يتزايد فيه الجدل حول نجاعة مقاربة الوزارة وسياستها الرقابية، فبالرغم من تأكيد الوزير محمد سعد برادة منتصف شتنبر الماضي، أنه «لا وجود لأي احتكار، وأن عملية التوزيع تمر في ظروف سلسة»، إلا أن الواقع الميداني يعكس صورة مغايرة تماما، حيث يتسع الخصاص يوما بعد يوم، ويتحول إلى معضلة حقيقية تؤرق الأسر والمؤسسات التعليمية على حد سواء.

ويخلص متتبعون وفاعلون تربويون إلى أن أزمة كتب «الريادة» لم تعد مجرد مشكل تقني مرتبط بتوزيع المقررات، بل أصبحت مؤشرا على ارتباك أكبر يطبع تنزيل المشروع منذ بدايته، حيث غلب عليه المنطق التبريري بدل التدبيري، في ظل ندرة الكتب وتأخر التجهيزات الرقمية والدعامات البيداغوجية المفترض أن ترافق التجربة، هذا الوضع الذي تزايد معه فقدان الثقة في بلاغات الوزارة وتطميناتها، حول مشروعا كان يفترض أن يكون نموذجا للإصلاح إلى عنوان جديد لضعف التنسيق وغياب التخطيط المحكم.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 12/11/2025 على الساعة 07:00