ويتجلى مرض الزهايمر، في كثير من أشكاله العادية أو المعروفة، في اضطرابات في الذاكرة وصعوبات في تنظيم الأنماط الحركية، من خلال تلف الأعضاء أو الخلايا المسؤولة عن الذاكرة، وفق تعريف الأخصائية في طب الأعصاب ندى بنكيران التي تشير، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن اللوزة الدماغية الواقعة داخل الفص الصدغي تعد عنصرا مركزيا في إنتاج المشاعر، مضيفة أن هذه البنية تكون محفوظة ، نسبيا ، في المراحل الأولى من المرض.
وأوضحت أن ضعف هذه اللوزة يؤدي، بشكل رئيسي، إلى عدم السيطرة على العواطف، فضلا عن تغيير الوظائف المعرفية مثل الاهتمام والتحفيز والتفكير والتخطيط.
وهذا الواقع العلمي يبدو واضحا، لأول مرة، من خلال تجربة المرضى المصابين بمرض الزهايمر، الذين تتراجع قدراتهم المعرفية والسلوكية تدريجيا مع مرور الوقت، مما يشكل عبئا على أقربائهم الملزمين ، في هكذا وضع ، بلعب دور أساسي في مجال الرعاية.
وأمام وجوب المشاركة في الحياة اليومية مع المرضى في هذه المحنة المؤلمة، يضاعف أفراد الأسرة جهودهم للتكيف مع الوضع الجديد، سيما وأن رعاية مريض الزهايمر ليست مهمة سهلة، لما تتطلبه من تضحية وتفاني غير مشروطين.
في المراحل المتقدمة من المرض، وعندما تمنع اضطرابات النطق كل أشكال التواصل، يؤكد مقدمو الرعاية على أهمية الحفاظ على الواصل العاطفي مع المريض الذي غالبا ما يكون أحد الوالدين أو الزوج، على الرغم من صعوبة هذه المهمة.
وتؤكد مريم التي يعاني والدها من مرض الزهايمر، أن الارتباط العاطفي مع والدها ظل ثابتا ‘’عندما أمسكت بيده، ضغط عليها بقوة ولفترة طويلة، وظل يحدق بي للحظة. وحتى أنه لو لم يتعرف علي، كان لديه إحساس بأنني قريبة جدا منه'’.
تتذكر هذه الشابة البالغة من العمر 36 عاما أنها تمكنت من إقناع والدها بركوب السيارة وهو يرفض ذلك، من خلال الوقوف أمامه والإمساك بيده والتحدث إليه بهدوء وبعاطفة، حيث إن هذه الإيماءات هي وسيلة الاتصال الوحيدة لديهم.
إلا أن التعبير عن المشاعر ليس دائما إيجابيا، تلاحظ مريم، ‘’إذ أنه أمام الغرباء أو عند طرح الأسئلة عليه، كانت تظهر عليه علامات عدم الارتياح والانزعاج لدرجة الاستياء'’.
وتتقاسم زهرة التجربة ذاتها، موردة أنها توصلت إلى طريقة للتخفيف من قلق والدتها وتحديقها في الفراغ خلال المراحل الأخيرة من المرض.
ووجدت زهرة المنحدرة من طنجة نفسها مضطرة إلى إعادة تنظيم حياتها بالعمل مساء لتتفرغ لرعاية والدتها طوال اليوم، والاقتراب أكثر منها من خلال نقل سريرها إلى جوار سرير والدتها، والعمل على تمكينها من ممارسات ومداعبات مهدئة.
وتشير إلى أن «وجهها كان يعكس شعورا بالأمان والهدوء وأنا أمسك بيدها وأعبر لها عن مدى حبي لها. وعلى الرغم من أنها لا تستطيع الرد علي بالكلمات، لكنها كانت تعبر عن مشاعرها بالضغط على يدي بقوة والنظر في عيني».
وترى زهرة أن مثل هذا التعامل يحافظ على رابطة خاصة بين مقدم الرعاية الأسرية والمريض، مما يوفر للأخير مصدرا للصفاء والهدوء في وسط عالم يجد صعوبة في التعرف عليه.
ويظل مرض الزهايمر يشكل تحديا مؤلما للمصابين به وأقربائهم. ومع ذلك، تستمر قوة الحب والمودة في إضفاء بريق على اللحظات المظلمة لهذه المحنة الصعبة.
وتشير معطيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 55 مليون شخص يعانون من الخرف في جميع أنحاء العالم، على أن مرض الزهايمر يعد السبب الأكثر شيوعا له وأصل 60 إلى 70 في المائة من الحالات.
ويشكل اليوم العالمي لمرض الزهايمر (21 شتنبر) مناسبة لاستحضار التدهور المستمر لذاكرة المصابين وصرخة الأسر الصادقة، مما يستوجب الدعوة لزيادة الوعي بهذا المرض المثير للقلق وتعزيز الأبحاث لصالح نظام دعم أفضل للمرضى والأشخاص الذين يشاركون تجربتهم.