إن المشروع الملكي الهادف إلى تعميم الحماية الاجتماعية من أبرز المشاريع التي ميزت تطور المغرب. وقال حمزة سعودي، وهو باحث في الاقتصاد بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، في تصريح لـLe360: «إن تعميم الحماية الاجتماعية، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، يعد إصلاحا مجتمعيا استثنائيا. إن هذه المبادرة تشكل ركيزة أساسية للدولة الاجتماعية ورافعة مهمة لتحسين أداء الدولة الراعية».
وأكد حمزة سعودي، وهو خبير، من بين أمور أخرى، في المسائل المرتبطة بعدم المساواة والفقر في البلدان السائرة في طريق النمو، أن «إحدى نقاط القوة في هذا الإصلاح تكمن في الوعي الجماعي والتزام السلطات العليا بتعميم الحماية الاجتماعية لتشمل جميع المواطنين، وبالتالي تعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي».
هذا المشروع هو ثمرة لمقاربة شاملة أطلقها العاهل منذ اعتلائه عرش أسلافه، والتي تهدف إلى بناء مجتمع المساواة، وهي المقاربة التي ترجمت من خلال إطلاق العديد من البرامج الاجتماعية.
ويتعلق الأمر بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية (المعروف باسم راميد)، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وبرامج دعم تمدرس الأطفال، لا سيما برنامج «تيسير»، وبرنامج المساعدات المباشرة للنساء الأرامل اللواتي يعانين من الهشاشة.
وقد مكنت هذه المبادرات المختلفة من تقليص معدلات الفقر والهشاشة والهدر المدرسي، وتمكين فئات واسعة من المواطنين من الولوج إلى الخدمات الأساسية. وهكذا، على مدى السنوات الـ25 الماضية، ارتفع متوسط مستوى عيش المغاربة بأكثر من الضعف وانخفض معدل الفقر، من حوالي 15% في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى حوالي 1.7% في عام 2020، وفق ما أكده المتحدث ذاته.
الركائز الأربعة للإصلاح
عزز مشروع تعميم الحماية الاجتماعية هذه الإنجازات من أجل الحد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة. وهو يرتكز على أربعة ركائز حددها الملك في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية يوم 9 أكتوبر 2020، والتي ترجمت في القانون-الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية والصادر يوم 23 مارس 2021.
تتمثل الركيزة الأولى في تعميم التغطية الصحية الإجبارية بنهاية 2022، حتى يتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من الولوج إلى التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (أمو) الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء. وتتمثل الثانية في تعميم التعويضات العائلية التي سيستفيد منها ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن التمدرس خلال عامي 2023 و2024.
والركيزة الثالثة لهذا المشروع تتمثل في توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد خلال 2025، من خلال إدماج ما يقرب من 5 ملايين من الأشخاص الناشطين الذين لا يتوفرون حاليا أي تغطية مرتبطة بالتقاعد. وتهدف الركيزة الرابعة إلى تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل اعتبارا من عام 2025 لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على عمل مستقر.
ويهدف قرار تخصيص قانون-إطار لهذا الإصلاح إلى ضمان التطبيق الأمثل وحسن التنفيذ وضمان استمراريته واستدامته. ومن أجل ذلك، تتمثل التزامات السلطات العمومية في ضمان تنسيق تدخلات جميع الأطراف المعنية بتعميم الحماية الاجتماعية، كأولوية وطنية، لضمان تطوير الجوانب المرتبطة بتدبير وحكامة مؤسسات الضمان الاجتماعي.
ويتعلق الأمر أيضا بضمان التقائية أنظمة الحماية الاجتماعية واتخاذ كافة التدابير التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية والمالية التي من شأنها أن تسمح بتعميم هذه الحماية. وكل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التوازن المالي لهذه الأنظمة، والذي يتطلب ضمان التوازن الهيكلي بين الموارد والمساهمات من جهة، والنفقات والخدمات المقدمة من جهة أخرى.
رفع التحديات الرئيسية
وأكد حمزة سعودي، أن «تطبيق نظام حماية اجتماعية شامل ومستدام في المغرب يتطلب مقاربة شاملة ومتناسقة، تحقق التوازن بين تعميم التغطية وتحسين جودة الخدمات وضمان الاستدامة المالية».
وأشار إلى أنه يجب رفع ثلاثة تحديات رئيسية. التحدي الأول يتمثل في جودة الخدمات التي يجب أن تكون في مستوى جيد لتلبية احتياجات المستفيدين. والثاني يتمثل في إمكانية الولوج العادل إلى الخدمات الصحية لتلبية الطلب المتزايد على هذه الخدمات، مع ضمان الولوج العادل إليها في المناطق الحضرية والقروية. والثالث يتمثل في الاستدامة المالية لحسن تخصيص الموارد، وتوسيع قاعدة المساهمات، وتوجيه الضرائب المستهدفة نحو الخدمات الصحية.
بالنسبة لهذا المختص، «لضمان نجاح هذا الإصلاح الطموح، من الضروري تعزيز ثقة السكان من خلال التواصل الفعال، ومن خلال ضمان جودة الخدمات، ومن خلال التركيز على المزايا والتقدم المحقق». وتابع قائلا إنه يتعين على الحكومة أيضا «وضع استراتيجية شاملة لإدماج الاقتصاد غير المهيكل، وكذا العمال المستقلين، الذين يقدر عددهم بنحو 3.9 مليون شخص».
وفضلا عن ذلك، ولتجنب زيادة الديون، دعا محاورنا إلى اتباع مقاربة مندمجة توازن بين احتياجات التغطية على المدى القصير وضرورات الاستدامة على المدى الطويل. كما أشار إلى ضرورة فهم مشكلة تهرب بعض شركات القطاع الخاص في ما يتعلق بتغطية مستخدميها بأنظمة الحماية الاجتماعية.
وخلص إلى القول إن «هذه الإجراءات حاسمة لنجاح إدماج العمال المستقلين الجدد في النظام وتحقيق الهدف الطموح المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية لتشمل جميع المواطنين بحلول عام 2025».
نتائج مبهرة
وقد أدى المشروع، الذي لا يزال مستمرا، إلى تحقيق إنجازات مبهرة. وهكذا، منذ فاتح دجنبر 2022، تم تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. وتم تحويل المستفيدين من نظام «راميد»، أي 4 ملايين أسرة، أي أكثر من 10 ملايين مواطن، إلى نظام «أمو»، بميزانية قدرها 9.5 مليار درهم سنويا تتحملها الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، وفقا للحصيلة الحكومية المقدمة في أبريل الماضي، تم تسجيل 2.4 مليون مهني غير مأجور، مما فتح الطريق أمام 6 ملايين مستفيد يحق لهم الولوج إلى نظام «أمو». كما تم وضع نظام إضافي «أمو الشامل» المخصص للأشخاص القادرين على دفع الاشتراكات والذين لا يزاولون أي نشاط مؤدى عنه أو لا.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أنه تم إعداد وإصدار كافة النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة لهذا الورش. وتقدر تكلفة تنفيذ هذا الورش الوطني بـ25 مليار درهم سنة 2024، و29 مليار درهم سنة 2025، و29 مليار درهم في أفق 2026.