أشرف الحساني يكتب: كيف يؤثّر الفنّ في الفضاء العمومي؟

أشرف الحساني

في 06/07/2024 على الساعة 21:15, تحديث بتاريخ 06/07/2024 على الساعة 21:15

مقال رأي في خضم التحوّلات السياسية والثقافية والدبلوماسية والتنموية التي يشهدها المغرب، عادة ما لا يُطرح السؤال الإشكالي المرتبط بعلاقة الفنّ بالفضاء العمومي بالمغرب. إذْ رغم مظاهر التصميم الحضري والتنمية الثقافية، ما تزال الفضاءات العمومية عبارة عن أمكنة فارغة من الفنّ والجمال.

يعاني المغرب كباقي البلدان المغاربية الأخرى من مشكل عدم وجود تفكير مسبق حول الفضاءات العمومية، بحيث تبدو عادية وغير ملفتة للنّظر رغم الإمكانات المادية الكبيرة المبذولة عليها. أمرٌ كهذا غير مرتبط بالمال وإنّما بقدرات المسؤولين المشرفين على القطاعات ذات الصلة بتهيئة الفضاءات العمومية من أجل خلق عوالم بصرية مذهلة تُحرّرها من بعدها التقليدي. فغياب الفنّ داخلها يجعلنا نطرح أسئلة حول الأسباب التي تجعلنا نطرح السؤال حول أسباب غياب الفنّ داخل الساحات العامة والحدائق وعلى جدران المؤسسات التعليمية والمطارات وداخل الفنادق وغيرها. إنّ الفن ليس ترفيهاً ولا تزييناً وزخرفة، وإنّما شكل من أشكال الوعي بالذات وتمثل دقيق للحضارة المغربية في أبهى صورها وتجلياتها.

فالمغرب بحكم سبقه التاريخي يتوفّر على خزان بصري هائل وموروث فني مذهل ينبغي استثماره داخل هذه الفضاءات وهو أمرٌ يتيح للفنانين التشكيليين والحرفيين والنحاتين الاشتغال وفق مشروع فني وطني يساهم في التنمية البصرية للفضاءات ويخرج المدن من الجمود والتقليد. إنّ الحق في الفنّ مثل الماء والخبز والهواء، فهو عنصرٌ ضروري للعيش داخل بيئة نظيفة تحترم معايير الفنّ والجمال وتعطي للفنان قيمة كبيرة داخل مجتمعه.

يستغرب المرء كيف لبلدٍ تاريخي ويملك حضارة هائلة ضاربة في القدم لا يتوفّر على تماثيل ولا تقام فيها المعارض التشكيلية في الهواء الطلق ولا تعرف في الأفلام داخل الساحات العامة. لذلك فإنّ تحنيط الفنّ داخل الفضاءات وسياجاتها، أمرٌ يجعلها ننتمي إلى التقليد أكثر من الحداثة. ذلك إنّ الحداثة الفنّية تفرض أنْ تكون الفنون المعاصرة في خدمة الفضاء العمومي ووجدا الناس، لأنّ الفنّ شكل من أشكال التعبير عن أحوال الواقع والتاريخ والجسد والذاكرة. إنّ الفنّ هنا مجرّد إكسيسوار يعطي شرعية للخطاب الاستشراقي الذي عادة ما يلصقه الأجانب بالفنون المغربية. خروج الفنّ إلى الشارع معناه أنْ تكون في خضم الحداثة وأنْ يكون الفنّ نمطٍ تفكير وعيش. فالفنون حين تخرج إلى الشوارع فهي تؤثّر في الفضاءات العامّة وتُخرجها من كونها فضاءات عادية إلى فضاءات جمالية تحمل دلالات رمزية في الوجدان الجمعي. وبالتالي، فإنّ هذا الغياب لمختلف أشكال التعبير الفنّي داخل الفضاءات العمومية لا يليق ببلدٍ مثل المغرب والذي يعتبر التراث فيه رمزاً وجودياً ومُكوّناً أساسياً من مكوّنات الهوية المغربية، بما يجعله موروثاً فنياً فاعلاً في الموروث الجمالي والذي يعطي لا محالة صورة حضارية للبلد.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 06/07/2024 على الساعة 21:15, تحديث بتاريخ 06/07/2024 على الساعة 21:15