ماذا يُمكن أنْ نقول عن المدن التي وُلدنا فيها؟ إنّها تعيش فينا ونعيش فيها لدرجة يصعب الفصل بين الواقع والخيال حين نتحدّث عنها. لكنْ ما تعيشه المدينة اليوم من هشاشة وفقر وعطب ليس تخييلياً وإنّما حقيقة تجلنا نطرح السؤال حول الأسباب التي جعلت مدن أخرى تتقدّم وتصبح معروفة، في حين أنّ مدينة تاريخية في حجم الفقيه بن صالح تبقى على حالها؟ حين يزور المرء المدينة يصاب بنوع من الدهشة وهو يُعاين كيف تتحوّل المدينة إلى مقبرةٍ ترعى الأحياء. الشوارع منهدّة ونافورات المياه متّسخة يسبح فيها الأطفال لعدم وجود مسابح عامّة للاستجمام في فصل الصيف.
وهو أمرٌ لا يعني شيئاً بالنسبة للجهة الوصية على المسابح كأنّ الموظفين بالجماعات المحلية يعيشون في كوكبٍ آخر ولا يشاهدون أبناء الناس في المساءات الصيفية القاتلة وهم يسبحون في المستنقعات والبرك الآسنة. لماذا لا يتم العمل على تنمية المدينة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟ ما الأيادي التي تقف وراء هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها الفقيه بن صالح؟ وكيف تستفيد منها؟ إلى حد الساعة يوجد مسبح بلدي وهو أبعد ما أنْ يكون مسبحاً عاماً يستمتع به أبناء المنطقة ويقضون فيه أيام الصيف هرباً من شمس لم تتعب منذ زمن طويل في حرق أجسادهم النحيلة. فكلّما حلّ الصيف بكلّ أفراحه وأحزانه، تجد الساكنة ممّن لا تتوفّر على موارد مالية للسفر صعوبة بالغة في ارتياد المسابح العامّة منها والخاصّة وذلك بسبب غياب رؤية استراتيجية تُوحّد كلّ الأطياف والمذاهب والأحزاب وتجعلهم يخدمون المدينة بعيداً عن الحسابات الضيّقة والمنافع الشخصية.
إذا كانت مدنٌ قريبة مثل خريبكة وبني ملال تتوفّران على بعض من فسحة العيش بمختلف مظاهر التهيئة الحضرية والبنيات التحتية، فإنّ الفقيه بن صالح بعمقها التاريخي لم تستطع الدولة أنْ تُحرّر المدينة من التفكير القبلي وتجعلها مدينة تتوفّر على كلّ مقومات المدينة. إنّ المسابح مثل المستشفيات والمحاكم والمدارس عبارة عن فضاءات تخدم المواطنين وتُحقّق لهم بعضاً من الاحتياجات الخاصّة. وفي الوقت الذي عرفت فيه المدن الأخرى مشاريع حقيقية من ناحية المعامل والبنيات التحتية، لم تظفر الفقيه بن صالح بأيّ مشاريع تنموية حقيقية بإمكانها أنْ تُنقذ الساكنة وتُوفّر لهم فرص الشغل وتُبعدهم عن شبح الهجرة وقوارب الموت. إذْ لا توجد رغبة وطنية قوية لدى المجلس البلدي في إعادة التفكير في تدبير المدينة وتسيير طرق العيش فيها من ناحية الخدمات والمرافق الاجتماعية.
يعيش شباب مدينة الفقيه بن صالح ممّن يتوفرّون على شواهد أكاديمية من شبح البطالة، سواء من ناحية قلّة مباريات التوظيف أو حتّى في ما يتعلّق بالوظائف الخاصّة. ومن كان محظوظاً في العثور على عمل له داخل مكتب محاماة أو مساعداً في جماعة محلية أو عند طبيب، فإنّ ما يحصل عليه شهرياً يكون هزيلاً. من يتحكّم في مصير المدينة؟ من أغلق أبواب الخير في وجهها؟ لماذا لم تنجح مدينة الفقيه بن صالح في أنْ تكون رائدة على المستوى الفلاحي وتسويق منتجاتها داخل أسواق ومعارض وطنية؟ أعتقد أنّ هناك لعنة أصابت هذه المدينة التي تبدو الأجندات السياسية تُجهض فيها والموارد تُستنزف وتذهب إلى غير رجعة.