رغم التراجيديا التي تسبّب فيها هذا الزلزال داخل المغرب، معمارياً وبشرياً، لا يعثر الباحث على ملامحه داخل البحث التاريخي. باستثناء إشارات صغيرة وردت في بعض المراجع المتناثرة هنا وهناك. ويحضر ذلك على شكل إشارات يتم الحديث فيها عن القرن الـ 18 بصفّة عامّة، فيُقدّم الباحثون مقاربات صغيرة عن هذا الزلزال وما خلفه من نتائج وخيمة على جميع المستويات الاقتصادية والمعمارية والاجتماعية.
لم تهتم الكتابة التاريخيّة الحديثة بتاريخ الزلزال وتخصيص دراسةٍ تاريخيّة، على خلفية المكانة التي ظلّ يحتلّها في ذاكرة العالم. فإلى حدّ اليوم، ما يزال زلزال لشبونة يطرح إلى جانب أسئلته العلمية والفكرية، أخرى لها علاقة بالجانب التاريخي من خلال رصد نتائجه ومدى تأثيرها على المغرب في تلك المرحلة التاريخيّة.
والحقيقة أنّ المؤرّخين الكلاسيكيين في تلك الحقبة التاريخيّة، لم يكُن لهم وعياً تاماً بحداثة الكتابة التاريخيّة وموقع الزلازل داخلها. فلا غرابة أنْ نجد عدم الاهتمام من طرف المؤرخين الذين كانوا يُلخّصون الكتابة التاريخيّة في ذكر أحوال السلاطين وبلاطاتهم، أيْ الاهتمام بالجوانب السياسية والعسكرية وإهمال باقي العناصر الأخرى التي تُشكّل الحدث التاريخي. إلى حدود اليوم، لم تهتم الكتابات التاريخية المغربيّة بتوثيق سيرة الزلازل والكوارث والأوبئة.
فما يزال البحث التاريخي تقليدياً ويصُبّ في مُجمله في السياسة والاقتصاد والاجتماع. في مقابل تهميش حقيقي للتاريخ الطبيعي وذاكرة الكوارث، رغم ما تطرحه من أسئلة قويّة في علاقة البشر بهذه الكوارث. إنّ المؤرّخ وبسبب ثقافته الموسوعية له القُدرة على تقديم فهم مغاير للكوارث الطبيعية وأثرها داخل المجتمع. فالكتابة عن الكوارث مهنة شاقة وتستدعي تكويناً أصيلاً وسياحة كبيرة في تاريخ الفكر البشري.
وبسبب انفتاح التاريخ على علوم أخرى، أصبح لزاماً على المؤرّخ الاهتمام بقضايا الكوارث وسُلطتها على البشر. وبالرغم من الطفرات التي حققتها مدرسة الحوليات مع كل من لوسيان فيبر ومارك بلوك وغيرهم على توسيع مفهوم الوثيقة التاريخية. فقد مثلت مدرسة الحوليات ثورة معرفية ومنهجية حقيقية وتحولا عميقا في تطوّر الكتابة التاريخية وعبورها إلى الأنثروبولوجيا، وهو ما أدى إلى بروز إشكالات جديدة ككتابة تاريخ الشعوب وظهور مقاربات ومواضيع جديدة ظلت في حكم اللامفكر فيه داخل الثقافة العربية كاللاشعور والجسد والصورة والمتخيل والطقوس والألم وغيرها من الموضوعات التي أصبحت اليوم تشكل لبنة أساسية في فهم الحاضر. فالاهتمام بهذه الموضوعات هو ما جعل البحث التاريخي يتقدّم ويزدهر ويتبوأ مكانة رفيعة.
ثمّة عرف معرفي في الكتابة التاريخيّة، أنّه يستحيل الكتابة عن حدث تاريخيّ، إلاّ إذا تجاوزت وقائعه حوالي نصف قرن من الزمن. وفي هذا الأمر، ما يستحقّ التفكير والتأمّل. فالحدث التاريخي، لا يُمكن الحكم عليه إلاّ حين يبتعد مسافة كافية عنا، وتُصبح ذواتنا متحرّرة من بقايا الحدث وترسّباته. فالكتابة التاريخية تكتسب شرعيتها من هذه المدة التي يُقيمها المؤرّخ بينه وبين الحدث. وبالرغم من مرور 5 قرون على زلزال لشبونة لم يُكتب عنه الكثير ليُصبح موضوعاً تاريخياً أثيراً وباقياً في الذاكرة التاريخية. هذا العجز تجاه الموضوع، لا يُمكن تفسيره إلاّ بهشاشة البحث التاريخي وعدم قُدرته على التجديد بالخروج من إطار الأحداث السياسية وميثولوجياتها.
في المغرب يُعد جامع حسان أكثر المباني التاريخية تضرّراً من جرّاء الزلزال. بعدما تسبّب في انهيار بعض من أعمدتها إلى الدولة الموحدية. أما جامع حسان وصومعته في عهد الخليفة يعقوب المنصور بحيث اعتبر أكبر المساجد في ذلك الإبان. لكنْ بعد وفاته تم توقيف مشروعه ثم اصابته بالانهيار بعد زلزال لشبونة عام 1755 الذي أصاب الجانب المُتعلّق بالأعمدة.
تُشير بعض الإحصاءات أنّ الزلزال ضرب بقوة 9 درجات ريختر وخلّف بين 600000 و100000 قتيل، رغم أنّه الأرقام لم تكُن دقيقة بسبب هول الجثث. فقد تسبّب في خسارة اقتصادية كبيرة وتفكّك اجتماعي فظيع، ساهم إلى حد كبير في تراجع النفوذ البرتغالي داخل عدد من المستعمرات التي كانت تطمح في استعمارها. على هذا الأساس، اعتبرت بعض المراجع الأجنبية أنّ زلزال ليشبونة، يُعتبر الأخطر في تاريخ البرتغال.
وبغض النّظر عن الخسائر البشرية التي ألمّت بالبلد، فقد تحوّل زلزال لشبونة إلى محطة كبرى في تاريخ الفكر البشري. فقد حرّك الكثير من الأهواء والأقلام بين المفكرين والأدباء، لأنّه سيضع إشكالية الديني والسياسي على طاولة التفكير. هذا الأمر، دفع فولتير إلى كتابة قصيدة مُطوّلة عن زلزال لشبونة انتقد فيها بشدة بعض الدعاة وسُلطة الكنيسة في فرض بعض الوصايا والأفكار، على أساس أنّ الزلزال هو عقاب من الله وليس مجرّد كارثة طبيعية صحّية بالنسبة للأرض. لقد ساهم الزلزال في اندلاع شرارة الجدل بين أهل العقل الذي تبنوا أطروحة مفادها أنّ الزلزال ناتج عن عوامل طبيعية، وبين فريق آخر اعتبر أنه عقاب من الله. وهذا الرأي الثاني، هو الذي حاولت الكنيسة التشبّث به لأغراض برغماتية تتمثّل في رغبة الكنيسة في فرض وصاياها على الناس.
يقول فولتير:
«هل ستقول: إن الله انتقم منهم، وإن موتهم هو ثمن على جرائمهم؟! أيُّ جُرم وذنب اقترفه الطفل الذي يرقد على ثدي أمه يسيل منه الدم؟! وهل انغمست لشبونة في الفسق أكثر من لندن أو باريس اللتين تعيشان في سعادة؟! الحقيقة أن لشبونة محطمة، والناس يرقصون في باريس».