وصار توفيق المرشحين المغاربة لشغل المناصب في المنتظمات الدولية والإفريقية مألوفا في السنوات الأخيرة. ويبلغ عدد المناصب داخل المنظمات الدولية والإقليمية التي ممثلها المغرب 30 منصبا.
ويؤكد الرقم المشار إليه أن المرشحين المغاربة تمكنوا من جديد من الظفر بكل المناصب التي ترشحوا لها.
ويلعب عاملان أساسيان دورهما في استمرار التميز المغربي سنة أخرى، وهما السمعة الطيبة التي يحظى بها المغرب، بفضل سياسته الخارجية التي أضحى لها طابع متميز، وكفاءة الأطر التي تحصل على الضوء الأخضر للترشح باسم المغرب، ويتقاطع مع العاملين التنسيق المحكم والتوافقات.
غيض من فيض
نذكر، على سبيل المثل لا الحصر، بانتخاب المغرب، في شخص عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، من قبل الدول الأعضاء الـ193، نائبا لرئيس الدورة الـ78 للجمعية العامة الأممية. وهو منصب يشغله المغرب نيابة عن القارة الإفريقية، ما بين شتنبر 2023 وشتنبر 2024.
فضلا عن إعادة انتخاب بلادنا في شخص محمد الشارف، عضوا في لجنة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين، للفترة 2024-2027.
كما جرت إعادة انتخاب المغرب في مجلس إدارة برنامج الفاو ممثلا للقائمة الإفريقية «أ» (الدول الإفريقية) وجرى تجديد ولاية المغرب في شخص يوسف بلا السفير الممثل الدائم للمغرب لدى وكالات الأمم المتحدة.
كما انتخب المغرب رئيسا للدورة الثانية والثلاثين للجنة الأمم المتحدة للوقاية من الجريمة والعدالة الجنائية، بعد أن قررت المجموعة الإفريقية، بالإجماع، تقديم ترشيح السفير الممثل الدائم للمملكة بفيينا عز الدين فرحان.
وفي يونيو الماضي جرى انتخاب المغرب، لأول مرة، في لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة في شخص عبد الرحمن التلمساني، لمنصب عضو بلجنة القضاء على التمييز العنصري للفترة 2024-2027.
عبد العزيز قراقي: المغرب معروف عالميا والعديد من المؤتمرات والاتفاقيات الدولية الموجودة في العالم مرتبطة به
لابد من التأكيد على أن الحضور المغربي على هذا الصعيدالدولي ليس وليد اليوم، بل إنه يعود إلى عقود خلت، ما يؤكد عراقة المملكة وعن ذلك يقول أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي عبد العزيز قراقي: «إن سمعة المغرب على المستوى العالمي تجر وراءها تاريخا طويلا، نحن نعلم أن المغرب من أعرق الدول على المستوى العالمي، ويمكن مقارنة المملكة المغربية بالإمبراطورية اليابانية ومع إنجلترا والملكيات الموجودة في أوروبا الشمالية».
وأردف: «كل هذا أعطى للمغرب على المستوى العالمي سمعة متميزة على مستويات متعددة، فالمعروف عن المغرب أنه بلد يلتزم بتعهداته ويحترم المعاهدات وكان له دائما وجود عالمي».
وأضاف قراقي: «نحن نعلم أن العلاقات الدولية لأي دولة تكون محكومة بجغرافيتها بالأساس، وأظن أن الجغرافية المغربية فرضت وجوده على المستوى الدولي ولا أظن أنه على مستوى البحر الأبيض المتوسط أو في تاريخ المنطقة في أي فترة من الفترات لم يكن المغرب موجودا، منذ العهود القديمة سواء الرومان أو الفينيقيين وعهد الفتوحات الإسلامية وغيرها.
إن المغرب دولة ذات إشعاع حضاري على المستوى العالمي. وبالتالي إذا ما عدنا إلى التراث العالمي سنجد المغرب حاضرا على عدة مستويات، سواء الفنون والثقافة وغيرها.
نجد المغرب حاضرا ما أكسبه سمعة على المستوى العالمي ما فتئت تترسخ سنة بعد سنة وجيلا بعد جيل».
ومضى يقول: «إن المغرب معروف عالميا على عدة مستويات، ولا بد من الإشارة إلى أن العديد من المؤتمرات والاتفاقيات الدولية الموجودة في العالم مرتبطة بالمغرب لأن القرارات التي اتخذت بشأنها تكون على مستوى المغرب.
وأذكر، على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقية منظمة التجارة العالمية واتفاقية مناهضة الكراهية، مجمل القول المغرب له سمعة دولية مرتبطة بمناحي متعددة».
المغربية حليمة الورزازي من أول النساء اللواتي ولجن إلى الأمم المتحدة
يقول قراقي إن «سمعة المغرب تقتضي أن تكون هناك موارد بشرية تعزز بقوة هذه الأمور وتمنحها قوة دافعة، وترسخها بشكل أساسي ليحتفظ المغرب على الدوام بهذه السمعة».
ما هو معروف بخصوص التجربة المغربية أنه لسنوات لم يكن الاهتمام منصبا على وجود تمثيلية المغرب في المنظمات الدولية، بمعنى أن هذا لم يكن يدخل ضمن الاختيارات الاستراتيجية للدولة المغربية.
في ما يتعلق بكفاءة الأطر المغربية التي عليها أن تنهض بهذا الأمر نعلم أن الكثير منها له الكفاءة ويكفي أن نتحدث عن النموذج المغربي المعروف الذي تمثله المرأة المغربية التي تعتبر من أول النساء اللواتي ولجن إلى المنظمات الدولية وإلى الأمم المتحدة وهي حليمة الورزازي التي التحقت بمنظمة الأمم المتحدة في نهاية الخمسينات وبداية الستينات.
من ثمة يمكن القول إنه على مستوى الكفاءات هناك كفاءات كبيرة تمثل المغرب لكن مع ذلك لم يرتق حضورها إلى سمعة المغرب وإشعاعه.
هناك الكثير من الخبراء الذين نتوفر عليهم في المنظمات الدولية فالمر لا يترجم بالفعل ما حققه المغرب، فمسلسل العدالة الانتقالية المعروف بأنه من التجارب الفضلى المسجلة في الأمم المتحدة، بالكاد بدأنا نعزز تمثيلية المغرب في اللجن الخاصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقيات وبطبيعة الحال الكفاءات المغربية موجودة في شخص الأستاذ المحجوب الهيبة الذي تمرس بحقوق الإنسان لسنوات طويلة والأستاذة هند الأيوبي الإدريسي، الموجودة منذ سنوات على مستوى حقوق الطفل لدينا أطر ذات كفاءة عالية موجودة في المنظمات الدولية أدوار كبيرة، لكننا نتطلع إلى عدد أكبر ويكون لدينا ممثلون للأمين العام للأمم المتحدة على أكثر من صعيد.
إدريس لكريني: تعزيز الوجود المغربي بكفاءات وازنة وعلى قدر كبير من الكفاءة تسويق للنموذج المغربي
يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي إدريس لكريني أن وجود عدد من الكفاءات المغربية داخل الهيئات التقريرية لمنظمات إقليمية ودولية وازنة على المستويات الاقتصادية والبيئية والمرتبطة كذلك بتحقيق الأمن والسلم الدوليين هو أمر مهم جدا.
وأضاف أن هذا «يمكنه أن يدعم ويعزز المواقف المغربية والحضور المغربي على المستوى الدولي، حصوصا أن هذه الكفاءات يمكنها أن تصد بعض السياسات التي تستهدف قضايا المغرب الحيوية من داخل هذه المنظمات، ومصالح المغرب بمختلف أشكالها على رأسها قضية الوحدة الترابية.
ووجود كفاءات على هذا المستوى يمكن أن يدعم توجهات السياسة الخارجية المغربية في سياق تدبير الأزمات وحفظ السلم الدوليين وتعزيز دينامية هذه المؤسسات. وأعتقد أن استحضار الكفاءة أمر مهم جدا على اعتبار أن وصول كفاءات على قدر كبير من الخبرة والتكوين العلمي بإمكانه أن يساهم في تعزيز صورة المغرب في الخارج على اعتبار أن هناك مهام مهمة جدا تطبع نشاط هذه المنظمات الدولية في مختلف المجالات».
ومضى يقول: «طبعا تعزيز الوجود المغربي بكفاءات وازنة وعلى قدر كبير من الكفاءة يمكن اعتباره نوعا من تسويق النموذج المغربي وأيضا آلية من الآليات الناعمة للدفاع عن قضايا مغربية مختلفة بأساليب موضوعية، وأيضا تفادي تورط المنظمات في سلوكيات أو توجهات تناقض المصالح المغربية في مختلف أبعادها، لذلك لا يمكننا نفي المكانة الوازنة التي أصبحت تحظى بها المنظمات والهيئات الدولية على مستوى حفظ الأن والسلم الدوليين وتدبير الأزمات والنزاعات وتعزيز حقوق الإنسان على مستوى الحفاظ على البيئة وتعزيز الحوار بين الحضارات.
وأيضا على المستوى الاجتماعي والإنساني، وبالتالي فإن تشابك العلاقات الدولية وتصاعد وتنامي هذه الأدوار بكل تأكيد فإن وجود نخب وكفاءات على قدر من الكفاءة يمكن أن يدعم فاعلية ونجاعة هذه الهيئات وكذلك يمكنه أن يمثل آلية للقوة الناعمة التي يمكن أن يوظفها المغرب لمصالح أهدافه بصور موضوعية تحترم هذه المؤسسات وصلاحياتها وأهدافها بعيدت عن أي توظيفات منحرفة يمكن أن تقوم بها جهات معادية للمغرب».
أحمد نور الدين الخبير: الحصول على مناصب مرموقة في المنظمات الدولية يتطلب الكفاءة واستثمار سمعة الدولة وتنسيقا دبلوماسيا
ويري في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، خلال حديثه عن الشروط التي تؤدي إلى تنامي الحضور المغربي في المنظمات الدولي، أن «إنجاح الترشيح في المناصب الدولية المرموقة داخل المنظمات الدولية، هناك عدة عناصر ينبغي استحضارها، وعلى رأسها توفر المرشحين على ملفات تنافسية قوية من حيث الوزن العلمي والأكاديمي ومن حيث المسار المهني، ومن حيث السمعة والنزاهة، بالإضافة إلى التجربة والخبرة الدولية، هذا على المستوى الشخصي، وهو شرط ضروري، لكنه غير كاف».
وأضاف «على هذا الصعيد استطاع المغاربة فرض أنفسهم بخبراتهم ومساراتهم الاكاديمية ونزاهتهم الفكرية في مختلف التخصصات العلمية والتكنولوجية وفي العلوم السياسية والاقتصادية والآداب والعلوم الإنسانية، والأمثلة كثيرة وعصية عن الجرد.
حيث برزت أسماء لامعة على سبيل المثال في مجال الطاقة واختراع بطاريات الليثيوم وهي بطاريات المستقبل، وفي منظمة اليونسكو، وفي وكالة الطاقة النووية، وفي المنظمة العالمية للزراعة والأغذية «فاو»، وفي لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي اللجنة الأولمبية الدولية، وفي لجنة الأمم المتحدة لنزع الاسلحة النووية، وفي التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وفي وكالة الفضاء الأمريكية، وفي أكبر مختبرات البيو-تكنولوجيا في كوريا الجنوبية وكان لهذا الحضور المغربي دور بارز في حصول بلادنا على جرعات اللقاح ضد كوفيد-19، كما برزت أسماء أخرى في علم المستقبليات في اليابان، ولا يكاد يخلو مختبر للطب والكيمياء والرياضيات في بعض الدول الأوربية من علماء وخبراء مغاربة، كما برز آخرون في الآداب والفنون والرياضة، وغيرها. فالأرض المغربية كانت وستظل معطاءة وخصبة ولا ينضب معينها».
لكن الحصول على مناصب مسؤولية مرموقة في المنظمات الدولية يتطلب، إضافة إلى الكفاءات استثمار سمعة الدولة وتنسيقا دبلوماسيا واسعا مع الدول الصديقة والشقيقة، ويلزمه النفس الطويل لأنّ الأمر يحتاج أحياناً إلى تنازلات للحلفاء في بعض مواقع مقابل الحصول على دعمهم في مواقع أخرى، كما أنّ الترشيح يخضع أحياناً أخرى للحصيص أي «كوطا» حسب الأقاليم الجغرافية الدولية أو حسب القارات، وغير ذلك من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والثقافية.
إن هذا يتطلب توفر البلد المعني على رصيد من المصداقية والثقة وعلى حد أدنى من الإشعاع الدولي والحضاري، وعلى نصيب من الريادة الإقليمية والدينامية الدبلوماسية. وفوق ذلك يتطلب نجاح الترشيحات عملاً مضنياً في الكواليس وفقاً لرؤية بعيدة المدى، ووفقاً لمخططات خماسية وبرامج لتأهيل المرشحين والرفع من حظوظهم في الوصول إلى مناصب دولية مرموقة. وأعتقد أن المملكة بفضل السياسة الإفريقية التي نهجها جلالة الملك في العُشريتين الأخيرتين نجحت في تعزيز حضورها في الهيئات والمؤسسات الدولية والقارية بشكل غير مسبوق، على مستوى المناصب المؤسساتية والخبراء والمسؤولين رفيعي المستوى».