أعتقد أنّ بلعيد بويميد كان أكثر الصحفيين المغاربة الذين كُنت ألتقيهم منذ سنوات داخل الأنشطة الثقافيّة ونظيرتها الفنّية بالدارالبيضاء والرباط. وهذا ليس سهلاً بالنسبة لرجل عُرف بمقالاته في الصحافة الرياضية، خاصّة في زمنٍ أصبح في الإعلامي « متخصّصاً » ويعتبر الشأن الثقافي لا علاقة له بالرياضة. لم يكُن بويميد من الإعلاميين الذين تسبقهم البدلة الرسمية المُزركشة، وإنّما حضوره الفكري المُتوهّج بين الفنانين والمثقفين. كُنت أراه دائماً يمشي ببطء يجلس في الوسط ويستمع بهدوء إلى آراء المثقفين داخل أنشطتهم الأدبية وبمجرّد ما ينتهي كلام الضيوف يأخذ بويميد الكلمة فيتحدّث كما لو أنّه عارفٌ بأمور الصناعة الثقافيّة وله إسهامات في الشأن الأدبي.
إذْ أنّ المُستمع يتعرّف عن كثب إلى ثقافته الكبيرة داخل مجالات يتقاطع فيها السياسي بالثقافي والرياضي. وحتّى الضيوف من مثقفين وأدباء وفنانين يتعاملون معه على أساس أنّه مثقف وليس صحفي رياضي. وفي هذا الأمر شيء من الاحترام الكبير تجاه الرجل وقيمته الفكرية داخل الجسد الإعلامي المغربي في كونه رائداً من رواده وعموداً من الأعمدة التي ينبني ويُشيّد عليها الإعلام المغربي الأصيل المُنصت للفرد في علاقته بالمجتمع.
إنّ السر في تجربة بلعيد كامنٌ في مفهوم الجيل الذي تربى فيه وحرص من خلاله أنْ يُكوّن لنفسه صورة الصحفي « الغرامشي »(العضوي) المُلتحم بالمجتمع وتحوّلاته. غير أنّ عملية التماهي هنا مع المجتمع الذي يعيش فيه بالنسبة لرجل الإعلام ليس سهلاً، لكونه يفرض عليه نوعاً من البحث الفكري والتقصّي الثقافي الدائم من أجل فهم خصوصية هذا المجتمع والشعور بنبضاته وحرارته في الزمن. فانتماء بلعيد بويميد إلى جيل السبعينيات، جعله من الكُتّاب الذين يعتبرون الصحافة عبارة عن عمل نبيل، يُتيح لهم إمكانية قول الحقيقة والدفع بها إلى الأمام. بيد أنّ هذا التكوين الثقافي الشامل، لم يبقى حكراً على بلعيد، بل نجد ملامحه عند كوكبة من الوجوه الإعلامية الذين جعلوا من الإعلام جسراً للتفكير في المجتمع ووسيلة للتواصل الفكري مع أفراده ونخبه.
إنّ جيل السبعينيات، الذي ينتمي إليه الراحل، هو جيل مؤسس في المغرب وذلك لأنّ تموقعه داخل سياق تاريخي مضطرب بين السلطة وأهل الثقافة والمجتمع المدني وغيرهم، ساهم إلى حد كبير في تنمية أفقه السياسي حتّى وإنْ كتب في الرياضة. وهذا الأمر لم يكُن متاحاً بالنسبة لباقي الأجيال الأخرى، بحكم تغيير طبيعة المرحلة التي ينتمون إليها وضعف التكوين السياسي نتيجة تراجع دور الأحزاب وقيمتها ككيانات سياسية مؤثّرة في المجتمع.
لم يكُن بلعيد بويميد صحافياً عادياً وإنّما من الأقلام التي تمتلك رأياً وموقفاً ومعرفة تجاه المجتمع.