لطالما كنا نسمع عن الأوبئة وما تخلفه من خسائر إنسانية ومادية، ولكن لم يسبق أن عاصرنا وباء بحدة فيروس كورونا المستجد.
ويعتبر فيروس كورونا أحدث وباء عرفته البشرية، ولازالت إلى حدود الساعة تحارب من أجل الحد من تفشيه.
ولا يعتبر "كورونا" أول فيروس يصيب ساكنة المغرب، فقد سبق وأن شهد المغرب على عدة أوبئة فتكت بألاف الأشخاص وذمرت العديد من الأسر.
من بين أشهر الأوبئة التي عرفها المغرب في نهاية القرن التاسع عشر، هو وباء "الكوليرا" أو "بوكليب الكحل" كما يسميه المغاربة.
تعتبر الكوليرا وباء يحدث من تعفن الأغذية المستعملة في زمن المجاعات وغلاء الأسعار، فيضطر الإنسان إلى تناول غذاء غير مألوف قد فسد وتعفن.
ويقول محمد الأمين البزاز في تاريخه للأوبئة بالمغرب، بأن الغداء بلغ من الغلاء فحشه، وجاع الناس فأكلوا الجيفة والموتى، وهلك منهم الكثير من المسغبة والمرض.
وعرف المغرب منذ سنة 1737 وإلى غاية سنة 1834 فترات صعبة سياسيا واقتصاديا، فمن الجفاف، تولد صراع حول السلطة بعد وفاة السلطان مولاي اسماعيل سنة 1738 وتجدد هذا الصراع سنة 1766، ثم اجتاح الجراد والقحط ربوع المملكة، الأمر الذي سهل دخول وباء الكوليرا إلى المغرب من جديد سنة 1834.
وكان " بوكليب الكحل" بمثابة مصيبة عظمى تصيب المغرب، فلم يسبق أن عرف هذا البلد وباء فتاكا لهذه الدرجة، وهو عبارة عن إسهال وبائي حاد خلف موتا جماعيا.
وقد وصفه أبو العلاء إدريس عبد الهادي التازي في مخطوطة "الابتسام عن دولة ابن هشام" قائلا : "هو ريح ما سمعوا به، قاتل من حينه، ويسمونه عندنا في المغرب بأسماء الكوليرا والريح الأصفر وبوكليب".
وقيل في "أقوال المطاعين في الطعن والطواعين": "كان الموت موت بغتة وفجأة، حيث يرى الإنسان أخاه يمشي صحيحا ويسقط ميتا فيتغير حاله وتتشوه خلقته وتقع اللكنة في لسانه فيلجلج مقاله. وتزبخر أظافر يديه ورجليه كأنها صبغت بالنيلة ".
وعاصر المغاربة هذا الوباء لمدة 3 سنوات، حصد خلالها 60 حالة وفاة في اليوم لكل مدينة.
وبالرغم من تخطي المغرب لهذا الوباء، إلا أن "بوكليب الكحل" ظل يزور هذا البلد عدة مرات خلال القرن التاسع عشر في ما يعرف بموجة الكوليرا العالمية الثالثة، وذلك خلال عام 1854 و1860.