الجملة مقتضبة، ولكنها خالية من أي معنى وتستهدف فقط المغرب الذي يعد العدو في عقيدة النظام الجزائري و الذي يعد أيضا بمثابة الشماعة التي يحاول منها إخفاء تدبيره الكارثي لشؤون البلاد. جاءت على لسان طه دربال وزير الري الجزائري على هامش المنتدى العالمي العاشر للمياه المنعقد في الفترة من 18 إلى 25 ماي في بالي بإندونيسيا. ماذا يقول لنا هذا المسؤول الجزائري الغامض في تصريحه الذي أدلى به للصحيفة الجزائرية الرئيسية الناطقة بلسان الطغمة العسكرية، « الخبر »، والذي تصدر صفحتها الأولى يوم الثلاثاء 21 ماي؟ قال إن « الجزائر عانت خاصة على حدودها الغربية، حيث لاحظنا ممارسات من دول الجوار(يقصد المغرب، ملاحظة المحرر)، التي أضرت بالتوازن البيئي الذي أضر بالحيوان، النبات والإنسان، بسبب التجفيف المقصود والممنهج لبعض السدود وبعض المناطق ». هذا المشكل تود الجزائر « رفعه للعالم حتى يسمع ونضع خطة محكمة من أجل حد هذه الظاهرة ».
هذا التصريح الفضفاض والغامض أرفق بعنوان مثير: « دربال يفضح المخزن: يوجد تجفيف ممهنج للسدود ومصادر المياه ». ولكن ما هو الموضوع؟ لن نعرف أي شيء عن ذلك.
سنغض الطرف عن هذا التصريح السخيف، وغياب اتهام واضح، والمنطق البيزنطي وسذاجة الاعتقاد بأن العالم سيلتفت إلى تصريح مسؤول جزائري مغمور، أدلى به إلى إحدى الصحف « المحلية ». وسنركز بشكل خاص على أن نظام الجزائر يستعد لشن « حرب » أخرى ضد المغرب، من خلال تحميل المملكة مسؤولية عدم كفاءة هذا النظام وقادته في تدبير قطاع استراتيجي مثل المياه.
تدبير كارثي، ويتجلى ذلك في قرار سلطات الدولة الجارة بقطع الماء الصالح للشرب بشكل كامل عن ثاني أكبر مدينة في البلاد: وهران والمناطق المحيطة بها.
البؤس اليومي
اعتاد الجزائريون على الانقطاعات في المياه الصالحة للشرب. ولكن أن يصل الأمر إلى قطع الماء من 21 إلى 26 ماي، بحيث لن ينزل قطرة ماء واحدة من صنابير منطقة شمال غرب الجزائر بأكملها خلال هذه المدة الكاملة فهذا أمر غير معتاد. وتحدث النظام الجزائري عن سكان متضررين يبلغ عددهم 800 ألف نسمة، أي ما يعادل 200 ألف أسرة، لن تتمكنوا من الوصول إلى هذا المورد الحيوي لمدة أسبوع. وحتى بعد هذه الفترة، سيتم توزيع الماء لعدة أسابيع بـ« التقسيط ». وبعد التحقق، تبين أن عدد سكان وهران لا يبلغ 800 ألف نسمة، بل 1700685 نسمة، وفق إحصاء رسمي يعود إلى عام 2020. ناهيك عن أن انقطاع مياه الشرب أصبح القاعدة في الجزائر، بما في ذلك في أكبر مدنها وحتى في العاصمة الجزائر. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين هي 1.3 مليار مكعب من المياه تنتجها محطات تحلية المياه يوميا هذا العام، كما وعد بثقة كبيرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم الثلاثاء 19 شتنبر، في خطابه أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؟
« المعجزة هي عندما يخرج الماء من الصنابير »، هكذا سخر مغني الراب الجزائري الشهير والموهوب تيف (Tif)، الذي اضطر إلى الفرار من الجزائر في سن 18 سنة ليستقر في فرنسا، في فيلم وثائقي مخصص لـ« بلده » الجزائر والذي يكشف فيه عن البؤس الذي يعيشه الجزائريون يوميا.
لكن هذا لا يهم، فإن المغرب هو الذي، بمنطق انتقامي وعدواني، يحرم الجزائر من مياهها. نفس صحيفة الخبر، التي تناولت كل الصحف الجزائرية تقريبا « مقالها »، عادت مرة أخرى يوم الأربعاء 22 ماي لتتناول عنوان « انتهاكات المغرب للقانون الدولي »، زاعمة أنها تكشف « المؤامرة التي حاكتها الجارة لتجفيف الحدود الغربية للبلاد ».
بماذا يتعلق الأمر؟
أصل المشكلة بالنسبة للجزائر هو أنه، حتى وقت قريب، كان الجزء الغربي من أراضيها بأكمله يعتمد بشكل كامل على المغرب للحصول على إمدادات المياه. إنها في الواقع الموارد المائية المغربية، فوق الأرض وتحتها، هي التي كانت تتدفق إلى البلد الجار. ويتم ذلك، خاصة عبر نهر ملوية، وهو نهر ينبع عند تقاطع جبال الأطلس المتوسط والأطلس الكبير. يبلغ طوله 600 كلم، ويصب في البحر الأبيض المتوسط ويقع منفذه…على الحدود الجزائرية المغربية. إلا أنه بسبب الإجهاد المائي المزمن، قامت المملكة بنشر استراتيجية كاملة لتحسين تدبير المياه. في هذه الحالة، يتعلق الأمر بمنع فقدان مثل هذا المورد النادر في البحر عن طريق إقامة السدود.
إن التأثير الجانبي لهذه السياسة السيادية للمغرب (والتي تحولنا من الخطاب الجزائري الذي يلخص هذا المفهوم... إلى قمصان كرة القدم) هو أن بعض المناطق الجزائرية لم تعد قادرة على تحويل مياه ملوية لمصلحتها.
مثال آخر هو واد قير، أحد أطول الأودية في شمال أفريقيا، والذي ينبع من جبال الأطلس الكبير ويصل إلى الصحراء الجزائرية. وفي بشار، وهي الأراضي المغربية التي ضمتها الجزائر الفرنسية، بنى نظام الجزائر العاصمة جرف التربة، رابع أكبر سد في الدولة الجارة. إلا أنه في عام 2021، قام المغرب بتشغيل سد قدوسة، بسعة إجمالية مخطط لها تبلغ 220 مليون متر مكعب، والذي يهدف إلى حماية مناطق الواحات من الفيضانات، ولكن أيضا لتأمين ري 5000 هكتار من الأراضي وتزويد مياه الشرب لسكان المنطقة، وخاصة سكان فكيك. وكان التأثير هو توقف التدفق الذي يغذي السد الجزائري. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء يمليه ضرورة ضمان المغرب لإمدادات المياه لسكانه وفلاحته. وفضلا عن ذلك، يتم التخطيط للعديد من الإجراءات والمشاريع الأخرى في هذا الاتجاه.
أزمة شرعية حقيقية
يتبين إذن أن الجزائر ليست بأي حال من الأحوال هي المستهدفة بأي « تجفيف ». إن أصابع الاتهام يجب أن توجه إلى مسؤوليها بسبب إهمالهم وعدم كفاءتهم، فهي دولة غنية بموارد النفط والغاز، ولكنها تجد نفسها غير قادرة على ضمان المياه لمواطنيها. ولكن هذا دون الحديث عن ميلهم المؤسف إلى اللجوء إلى الطريق الأسهل من خلال اتهام المغرب، البلد الذي ثروته الوحيدة هي نساؤه ورجاله، بكل الشرور التي تصيب بلادهم.
إن العداء والإجراءات الانتقامية ليست في الواقع من أساليب المملكة ولا من شيم حكامها. ويجب التوجه إلى الجانب الجزائري في هذه المسألة. إن الأعمال الخبيثة والانتقامية ضد المغرب هي من أساليب النظام الجزائري. والدليل على ذلك الإبقاء على إغلاق الحدود البرية، ويضاف إليها في « عهد » الثنائي تبون-شنقريحة، عدد لا يحصى من الإجراءات. نتذكر فقط قطع الجزائر، من جانب واحد، في 24 غشت 2021، علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة.
ولنتذكر أيضا إغلاق الأجواء الجزائرية، يوم 22 شتنبر من نفس العام، أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذلك أمام الطائرات المسجلة بالمغرب. ولنتذكر أيضا قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم 31 أكتوبر 2022، بعدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي-أوروبا المار عبر المغرب ووقف تصدير الغاز الجزائري إلى المملكة.
وفي هذا الصدد، نتذكر قاله نظام الجزائر وأزلامه حينها أن المغاربة لن يكون لديهم من الآن فصاعدا أي حل آخر غير الحطب للتدفئة. أو الحماقة الصادرة عن المدعو عمار بلاني، الرجل الثاني السابق في وزارة الخارجية الجزائرية، والذي أبعد من منصبه في عام 2023 وتم تعيينه في منصب سفير في تركيا. وكان الرجل قد اقترح على المغرب أن يحول خط أنابيب الغاز الخاص به إلى آلة نفخ ديدجيريدو، وهي آلة موسيقية يستخدمها سكان أستراليا الأصليون. يقول المثل: « من يضحك أخيرا يضحك كثير. لن ننزل إلى مستوى فحش النظام الجزائري ولا ذوقه السيئ، لأنه لا يخطر ببالنا أن نضحك من مأسي الجزائريين، المفطومين عن الماء لعدة أيام...
وخضم ذلك، يشيد تبون بمعجزة الحصاد القياسي من الحبوب...في الصحراء. لا تحاولوا أن تفهموا كيف يحرم ملايين الجزائريين من مياه الشرب، بينما تزدهر الحقول في الصحراء. منذ وقت طويل اعتاد المرء أن لا يتفاجأ مما يحدث في « بلد تسير فيه الأمور بالمقلوب ».