ولقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن حذر في تقريره السابق المرفوع إلى مجلس الأمن الدولي، إلى قيام البوليساريو باختلاس المساعدات الإنسانية والمالية الموجهة إلى محتجزي مخيمات تندوف، منبها إلى تدهور الوضع الإنساني للسكان الصحراويين، كما أن الاتحاد الأوروبي سبق أن أعد تقريرا شاملا يدق ناقوس الخطر بشأن سرقة المساعدات، حيث أصبحت معاناة المحتجزين في تندوف عبارة عن «أصل تجاري» يسترزق به من طرف عصابة البوليساريو وحكام الجزائر، كما أن برنامج الأغذية العالمي سبق ووثق في كثير من الحالات عملية بيع المواد الغذائية المتأتية من المساعدات الإنسانية على الرغم من أن محتجزي تندوف يعيشون أوضاعا مزرية، بل إن حكام الجزائر يفرضون ضريبة بنسبة خمسة في المائة على هذه المساعدات ويرفضون طلبات إجراء إحصاء المحتجزين بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني.
لقد سبق للكاتب والباحث الإسباني كونثالو سانشيت كاستيانوس، في مداخلة ألقاها في إطار النقاش العام المخصص للمتدخلين بمقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك حول قضية الصحراء، أن أكد على أن ما يتعلق بالمساعدات «الإنسانية» الموجهة إلى تندوف يبقى مجرد دعاية كاذبة الهدف منها تغليط الرأي العام الدولي، والشيء نفسه ينطبق على ما يسمى بجمعيات «أصدقاء الصحراء»، والتي تنشط على الخصوص في إسبانيا، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه شخصيا كان مكلفا بتسيير إحدى هذه الجمعيات بمدينة مورسيا بشرق إسبانيا، واطلع عن كثب على العديد من الطرق الاحتيالية التي يتم عبرها تحويل هذه الأموال إلى جهات أخرى، لذلك وباعتباره شاهدا مباشرا على هذه التجاوزات أدان وبشدة أمام المنظمة الأممية، الطريقة الممنهجة التي تقوم بها عصابة البوليساريو بالسطو على أموال المساعدات وبيع السلع والأغذية في دول الجوار حيث أصبحت تدر على ممتهنيها أموالا طائلة، حيث باتوا يملكون العقارات الفاخرة والعديد من المشاريع، ويتوفرون على حسابات وأرصدة بنكية بأوروبا وأمريكا اللاتينية.
إن العديد من التقارير الدولية تناولت هذه العمليات القذرة التي تذر المال الوسخ، من بينها تقرير سبق أن أعده الكولونيل بريستن ماغلوكلن الخبير الدولي في قضايا الأمن القومي، حيث أكد أن «البوليساريو تستولي على المساعدات الدولية الموجهة للمحتجزين بتندوف من أجل إعادة بيعها، لاسيما خلال أزمة كورونا»، وأبرز هذا الخبير الدولي الذي سبق له العمل في بعثة الأمم المتحدة «مينورسو» أن «هناك تاريخ طويل من سوء توزيع المساعدات الموجهة للمحتجزين الصحراويين بتندوف»، مؤكدا على ضرورة اتخاذ الأمم المتحدة «قرارات حازمة ولاسيما في ما يتعلق بالمسائل الإنسانية».
ونجد أن تقريرا نشره المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، أماط اللثام عن هذا السطو المفضوح، حيث يتعلق الأمر بمافيا ومهربين يعملون في تجارة مزدهرة يبدو أنها لم تتوقف يوما، إذ يتم فتح المساعدات الإنسانية الدولية في غفلة من أعين المانحين، حيث إن ثلث المساعدات الغذائية يتم اختلاسه، أما الثلثان المتبقيان فلا يسلمان بدورهما من سطو محبوك من طرف السلطات الجزائرية، والأدهى من ذلك، يضيف التقرير، أن جزءً من المساعدات التي تصل إلى مخيمات تندوف يتم بيعها للسكان عوض توزيعها عليهم بالمجان! مسجلا أن غالبية المساعدات تستخرج من التعليب الذي يشير إلى مصدرها باعتبارها مساعدات إنسانية دولية، لتوضع في أكياس وعلب لا تحمل أي هوية بغية بيعها في الأسواق الجزائرية والموريتانية والمالية.
إن المجتمع الدولي مطالب بضرورة فتح تحقيق عاجل وإلزامي في شأن اختلاس المساعدات الإنسانية للمحتجزين بتندوف، وأن يكون هناك إحصاء شامل لهم، علما أن الجزائر رفضت طلبات متكررة قدمتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سنوات 1977 و2003 و2005 و2015 لإجراء إحصاء للساكنة المحتجزة بمخيمات تندوف، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يستحضر هذا المعطى لأن الجزائر تتحمل كامل المسؤولية في انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس على أراضيها، حيث تضرب عرض الحائط كل مواثيق القانون الدولي الإنساني.
صيحات المحتجزين الجوعى تسائل الضمير الإنساني، ودموع الأطفال وصرخات الثكالى واليتامى وأنين المعوزين والمحتاجين والمعدمين تشكل وصمة عار على المجتمع الدولي. لنوقف هذا العبث عبر نداء دولي إنساني، حتى يشهد العالم أجمع على فصول مأساة تتوارى خلف رمال الصحراء...