بنطلحة الدكالي يحلل الاستراتيجية الشاملة للمغرب لمواجهة التهديدات الأمنية

الأستاذ محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء

في 03/05/2024 على الساعة 16:00, تحديث بتاريخ 03/05/2024 على الساعة 16:00

حوارتمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من تفكيك خلية إرهابية تتكون من خمسة عناصر موالين لتنظيم « داعش » الإرهابي، وذلك للاشتباه في تورطهم في التحضير لتنفيذ مخططات إرهابية تهدف إلى المس الخطير بالنظام العام، وقد جرى توقيف المشتبه فيهم في مناطق مختلفة، كما تبين أن أحد أفراد هذه الخلية يتوفر على دراية في مجال الإلكترونيات. في هذا الحوار، يقدم الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، تحليلا للاستراتيجية الشاملة للمغرب لمواجهة التهديدات الأمنية.


ما هو تقييمكم للعملية الأمنية التي أعلن عنها مكتب البسيج يومه الجمعة؟

بنطلحة الدكالي: تأتي هذه العملية الأمنية في سياق الأبحاث الاستخباراتية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المغربية في إطار استعداد يقظ ومتواصل لمواجهة أي نشاط إرهابي محتمل على الأراضي المغربية.

ويتبين من خلال الكشف عن هذه الخلية الإرهابية أن أنشطة هذه الخلايا تحكمها محددات مشتركة بينهما من قبيل كونها استمرار للبيعة التي يوليها الإرهابيون لتنظيم داعش، والمحدد الثاني لهاته الخلايا الإرهابية « النائمة » يتمثل في تشابه الآليات والأدوات التقنية التي يتم استعمالها من طرف الإرهابيين، علما أنهم باتوا يلمون أكثر بالآليات الإلكترونية التي تجعلهم قادرين على صنع مواد تفجيرية، والمحدد الثالث يتمثل في تركيز أفراد الخلايا الإرهابية على التواجد في مناطق جغرافية مختلفة من أجل تشتيت الانتباه عن أفعالهم الإجرامية.

إن المؤسسة الأمنية المغربية تتوفر على استراتيجية متعددة الأبعاد في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف تجمع بين الجوانب القانونية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، زيادة على تعزيز وتوطيد التعاون الدولي في هذا المجال ما جعل من المملكة المغربية رائدا وشريكا استراتيجيا على الصعيد العالمي وأدى إلى تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية في كثير من دول العالم.

لقد قامت المؤسسة الأمنية المغربية بإدراج آليات جديدة لمكافحة الإرهاب وجرائم الاتجار بالمخدرات والتهريب وكذلك جرائم الاتجار بالبشر وغيرها.

والعقيدة الأمنية المغربية وإن كان دورها الأساسي هو إنفاذ القانون وحماية النظام العام مع ما تتمتع به من الصلاحيات والسلطات التقديرية لأداء واجبها المهني إلا أنها تلتزم دوما بمبادئ المشروعية والمعايير الدولية للحكامة الأمنية وضمان انخراط المؤسسة الأمنية المغربية في البناء الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات الأساسية. لقد أضحت المدرسة الأمنية المغربية نموذجا يقتدى به على الصعيد الإقليمي والدولي.

على الصعيد الإفريقي نستحضر أن المغرب شدد خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي انعقد ببورندي على الحاجة الملحة لتبني مقاربة متعددة الأبعاد بهدف مكافحة التهديد الإرهابي في إفريقيا بشكل فعال تقوم على ثلاثية السلم والأمن والتنمية لمحاصرة التهديدات الإرهابية وتعزيز استجابة فعالة ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار الانشغالات الأساسية للمواطن الإفريقي.

على الصعيد الإقليمي نجد أن التجربة الأمنية المغربية رائدة على صعيد المنطقة، ماجعل اللواء أحمد ناصر الريسي رئيس المنظمة الدولية للشرطة الجنائية « أنتربول » ينوه بنجاعة واحترافية المؤسسات الأمنية المغربية على هامش افتتاح أشغال المؤتمر السابع والأربعين لقادة الشرطة والأمن العربي الذي نظم ببلادنا.

وفي مجال مكافحة الإرهاب أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الإرهاب في العالم حيث أكد أن » المغرب يمثل عنصرا هاما ضمن التنسيق التدريجي والتعاون القوي مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب »، وعن تجفيف التطرف أكد بيان الخارجية الأمريكية أن » المغرب لديه استراتيجية شاملة لمكافحة العنف تعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبشرية بالإضافة إلى مكافحة التطرف والعنف.

من خلال ما تطرقتم إليه، نجد أن هذه الدينامية الأمنية المغربية تعكس المفهوم الجديد للأمن الشامل، سيما في العلاقات الثنائية التي تربط المغرب بمجموعة من الدول؟

بنطلحة الدكالي: إن الدينامية الفاعلة والايجابية التي تعرفها مؤسسة الأمن الوطني المغربي، أصبحت تؤطر تدخل هذا المرفق وتمكنه من حماية الدولة المغربية، باعتبار هذه المؤسسة ضامنا لأمن الدولة والأفراد، ولمنظومة الحقوق والحريات واحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية، وقادرة على حماية قيم المجتمع من التهديدات الخارجية.

وقد أصبحت هذه الدينامية تحتل كذلك مكانة بارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما يعكس حجم هذه المؤسسة الوطنية والاشعاع الذي بدأت تكرسه.

وأصبح المغرب فاعلا إقليميا ودوليا في مجال محاربة الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات.

إن هذه الدينامية تعكس المفهوم الجديد للأمن الشامل، سيما في العلاقات الثنائية التي تربط المغرب بمجموعة من الدول.

لقد كان تاريخيا ينظر إلى تحقيق الأمن على أنه مسؤولية الدول الوطنية، إلا أن تطور التهديدات غير هذا الفهم فمنذ نهاية الحرب الباردة ومع تنامي ظاهرة العولمة، أصبح الوضع الدولي أكثر تعقيدا، حيث ظهور مجموعة واسعة من التهديدات والتجارة غير المشروعة والجريمة المنظمة، مما أدى إلى تغيير في طريقة صنع السياسات الأمنية، ولم يعد ممكنا لأي دولة وحدها حماية مواطنيها فقط بتعزيز آليتها الرقابية، حيث تعتمد الدول الآن على إجراءات جديدة من أجل أمنها وحتى في بعض الأحيان من أجل بقائها.

هنا يبرز التداخل بين مفهومين أساسين هما: الأمن القومي (National Security) والأمن العالمي (Global Security).

إن الأمن القومي يعرف بأنه « قدرة الدولة على توفير الحماية والدفاع لمواطنيها » أما الأمن العالمي فقد جاء من الضرورة التي ألقتها الطبيعة والعديد من التحولات الأخرى، وخاصة العولمة على عاتق الدول، وهي تحولات لا يملك أي جهاز للأمن القومي القدرة على التعامل معها بمفرده، وبالتالي تبرز الحاجة الى تعاون الدول، لأن الترابط العالمي والاعتماد المتبادل بين الدول الذي اختبره العالم ولازال يختبره منذ نهاية الحرب الباردة يجعل من الضروري للدول أن تتعاون أكثر وتعمل معا [Segun Osisanya, »National Security versus Global Security?,United Nations, accessed November 23,2020].

إن الانخراط الراسخ لمصالح المديرية العامة للأمن الوطني في المساعي الدولية الرامية لتحييد المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمن الإقليمي والدولي، يجعلنا نتكلم وبفخر عن المدرسة الأمنية المغربية، كفاعل أساسي في تحقيق الأمن الشامل على المستوى القاري والدولي.

تحرير من طرف حفيظ الصادق
في 03/05/2024 على الساعة 16:00, تحديث بتاريخ 03/05/2024 على الساعة 16:00