ردا على الضجة التي أحدثتها هذه الإعفاءات، سارعت وزارة التربية الوطنية إلى إصدار بلاغ تعلن فيه أن الأمر يتعلق بـ«حركة تغييرات واسعة شملت 11 مديرية إقليمية، مع إنهاء مهام 16 مديرا إقليميا وفتح باب التباري على 27 منصبا»، وذلك في إطار ما وصفته بـ«تعزيز الحكامة والقدرات التدبيرية والتربوية بالمديريات الإقليمية».

وشملت لائحة المديرين الإقليميين المعنيين بالإعفاء كلا من المدير الإقليمي بورزازات، الرشيدية، العيون، اليوسفية، الداخلة، خنيفرة، بولمان، خريبكة، سيدي سليمان، أزيلال، المضيق، الفحص أنجرة، آسفي، والناظور، بالإضافة إلى مسؤولين إقليميين آخرين مع ترجيح أن تمتد الموجة إلى مديريات أخرى خلال الأيام المقبلة، وفق مصادر من داخل الوزارة.
مبررات غير مقنعة
هذه الإعفاءات التي وصفها البعض بـ«الزلزال» باعتبارها من أكبر القرارات الإدارية التي شهدها قطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة، خلفت ردود فعل مشككة في خلفيات وأسباب حملة الإعفاءات هاته وطرحت تساؤلات عميقة حول مدى وجاهة مبررات الوزارة.
إذ أن المبررات التي استندت إليها الوزارة في بلاغها لم تقنع أحدا، بمن فيهم بعض المديرين الذين طالهم الإعفاء.
محمد أجواد، المدير الإقليمي السابق بخريبكة، كان من أبرز الأصوات التي شككت في دوافع القرار، إذ مباشرة بعد توصله بقرار الإعفاء، سارع إلى التعبير عن موقفه، مستغربا دوافع إعفائه من مهامه، من خلال تدوينة على صفحته الفيسبوكية يقول فيها: «لم يسبق لنا أن زارتنا لجان تفتيش، وتقييمات الأداء وضعت مديرية خريبكة ضمن الأفضل وضمن المديريات الخضراء على المستوى الوطني، فكيف يتم إعفائي بهذه السرعة؟ ربما هناك أسباب أخرى يجب البحث عنها.»
موقف مشابه عبر عنه أيضا المدير الإقليمي للناظور محمد بنعالية، وكذلك المدير الإقليمي للعيون محمد البشير التوبالي، الذي أثار قرار إعفائه استغرابا واسعا في الوسط التعليمي.
إعفاءات انتقائية أم توطين حزبي؟
إلى جانب الاعتراضات المهنية، دخلت الأوساط النقابية والسياسية على الخط، متسائلة عن مدى شفافية هذه الإعفاءات، وعما إذا كانت تستند فعلا إلى معايير موضوعية، أم أنها تندرج ضمن ترتيبات سياسية مبطنة.
عبد الله اغميمط، الكاتب الوطني العام للجامعة المغربية للتعليم، تساءل عن كيفية تقييم أداء المسؤولين الإقليميين خلال فترة وجيزة، لافتا إلى أن الفترة القصيرة التي قضاها الوزير الجديد في منصبه قد لا تكفي لتقييم أداء المسؤولين.
واعتبر اغميمط، في تصريح صحفي، أن هاته الخطوة «تثير الكثير من الغموض، خاصة أن الوزير نفسه سبق أن أشاد بتجربة مدارس الريادة، التي يُتهم المديرون المقالون بالفشل في تنزيلها».
وذهب هذا المسؤول النقابي أبعد من ذلك عندما عبر عن تخوف من أن تكون هذه الحملة محاولة لـ«توطين عناصر موالية لخدمة أجندات انتخابية وسياسية»، متسائلا عن دواعي «غض الطرف» عن بعض المديرين المحسوبين على حزب الوزير (التجمع الوطني للأحرار) الذين حسبه لم تشملهم قرارات الإعفاء «رغم مسؤوليتهم عن اختلالات تدبيرية».
ولم تقتصر ردود الفعل على الأوساط التعليمية والنقابية، بل امتدت إلى الساحة السياسية، حيث وجه حزب التقدم والاشتراكية استفسارا إلى وزير التربية الوطنية، مطالبا بكشف الخلفيات الحقيقية وراء هذا القرار.
وفي سؤال كتابي موجه للوزير، قال رئيس الفريق النيابي للحزب، رشيد حموني: «ما هي المعايير التي اعتمدتموها لإعفاء 16 مديرا إقليميا دفعة واحدة؟ وهل هناك دوافع سياسية أو انتخابية وراء هذه القرارات، خاصة أنها تأتي في الأشهر الأخيرة من الولاية الحكومية؟»
كما طالب الحزب بعقد اجتماع لجنة التعليم في البرلمان لمساءلة الوزير عن «هذه الخطوة غير المسبوقة، وسط مخاوف من أن تكون هذه الحملة جزءا من عملية إعادة ترتيب المشهد الإداري بما يخدم حسابات حزبية على حساب مبدأ الكفاءة والاستحقاق».
حملة سابقة لأوانها
أكثر ما أثار الجدل هو أن بعض المديرين الإقليميين الذين شملهم الإعفاء مشهود لهم في الوسط التعليمي بالكفاءة والنزاهة، بل وحققوا نتائج إيجابية، مما يطرح تساؤلات حول المعايير الحقيقية التي استند إليها الوزير في اتخاذ قرار إعفائهم.
وهكذا أحيط قرار إعفاء المدير الإقليمي للعيون، محمد البشير التوبالي، بحالة من الاستغراب والاستنكار، حيث رأى البعض أن الخطوة قد تكون لها أبعاد مرتبطة بأصوله الصحراوية، ما يفتح باب التأويلات حول احتمال وجود دوافع سياسية أو جهوية وراء هذه القرارات.
وفي خضم هذه الشكوك حول علاقة حملة الإعفاءات بحملة انتخابية سابقة لأوانها، وقع في مدينة الناظور ما يؤكد هذه الشكوك. إذ مباشرة بعد إعفاء المدير الإقليمي للتعليم بالناظور، محمد بنعالية، تم تكليف صالح العبوضي لتولي المنصب إلى غاية نهاية الموسم الدراسي 2024-2025، وهو ما خلف جدلا واسعا في الأوساط التعليمية والسياسية، ليس لأن التكليف جرى بسرعة قياسية وإنما لأن المدير الجديد ليس سوى المنسق الإقليمي لحزب التجمع الوطني للأحرار.

تكليف العبوضي الذي جاء بشكل مفاجئ، وبعد يوم واحد فقط من إنهاء مهام بنعالية، أثار تساؤلات حول مدى شفافية هذا القرار وارتباطه بالحسابات الحزبية، وعما إذا كانت حملة الإعفاءات مجرد غطاء لإعادة توزيع المناصب وفق حسابات سياسية وانتخابية سابقة لأوانها.
أزمة الثقة في قطاع التعليم
يرى متتبعون للشأن التعليمي أنه سواء كانت دوافع إعفاء 16 مديرا إقليميا «إصلاحا حقيقيا» أم مجرد خطوة لـ «تصفية حسابات سياسية»، فإن تداعيات هذا القرار لن تتوقف عند حد الجدل الإعلامي، بل تعكس أزمة ثقة عميقة في آليات التقييم والمحاسبة داخل قطاع التعليم.
فإذا كان الهدف يكمن في تحسين الأداء وتطوير المنظومة، فلماذا لم يتم إشراك المديرين المعفيين في عمليات التقييم والإنذار المسبق قبل اتخاذ القرار؟ وإذا كانت الاعتبارات السياسية حاضرة في هذه الحملة، فهل يعني ذلك أن استقلالية قطاع التعليم باتت مهددة بالتجاذبات الحزبية؟
وما يزيد من حدة هذه التساؤلات، أن القرار جاء في وقت حساس، وقبل أشهر من نهاية الولاية الحكومية، وهو ما يفتح الباب أمام فرضية استخدام مناصب المسؤولية لأغراض انتخابية.
أسئلة تظل مفتوحة، في انتظار كشف الوزارة عن المعايير الحقيقية التي حكمت هذه القرارات، وما إن كانت حملة الإعفاءات ستفضي فعلا إلى تحسين تدبير القطاع أم أنها مجرد خطوة في لعبة سياسية أوسع.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا