وتقف عدة عوامل وراء هذا التحول لعل أبرزها قوة القانون المنظم للأحزاب وما يفرضه من انضباط لتأمين السير العادي للحياة السياسة، ما قاد إلى « القطع » مع ظاهرة الزعيم الأبدي.
وقبل أيام، لملم حزب الأصالة والمعاصرة « جراحه » وقرر دخول مرحلة جديدة، تمثلت في إسناد مهمة تسيير الحزب إلى قيادة ثلاثية.
ويقول عبد العزيز قراقي، الأستاذ الجامعي ونائب عميد كلية الحقوق بالرباط، إن حزب الأصالة والمعاصرة « قرر في مؤتمره الأخير أن تكون قيادته في المرحلة الحالية جماعية، برؤوس ثلاثة لكن تنسق أشغالها امرأة، وهذا له بطبيعة الحال من المميزات الشيء الكثير، وأول هذه المميزات أنه عادة في الأحزاب السياسية، التي سبق لها أن مرت من هذا الوضع عاشت التجربة عندما مرت بأزمة، وطبيعي أن نقول إن القيادة حين لا تكون أحادية، ومجتمعة حول شخص واحد، فهذا يعني أن البناء الحزبي يمر بأزمة داخلية معينة، قد يكون الأمر متعلقا بعدم اجتماع الرأي حول شخص معين، أو تكون هناك قضايا أخرى تفرض على الحزب أن يواصل مسيرته لكي يبقى منسجما مع المنظومة القانونية وممتثلا لها.
لكن في الوقت نفسه عليه أن يدبر التنظيم، ويعيد النظر في مكونات ومقومات أساسية، وأظن أن هذا الأمر سبق أن عاشه حزب الاتحاد الدستوري في المغرب، لا أقول إنه نفسه الذي يعيشه الأصالة والمعاصرة، لكن يجمع بينهما أن هناك أزمة ما يمر منها التنظيم وهذا لابد من الإشارة إليه والتأكيد عليه ».
وعن ما يميز هذه الخصوصية قال: « للحديث عن ما يميز خصوصية حزب الأصالة والمعاصرة، واختياره القيادة الثلاثية، لابد من الإشارة إلى أنه بات الآن من المفروض على الأحزاب السياسية أن تعقد مؤتمراتها في الوقت المحدد لتبقى منسجمة مع القانون التنظيمي للأحزاب السياسية وهذا مهم، إذ بات يفرض مواعيد محددة بالضبط على الأحزاب السياسية أن تعقد فيها مؤتمراتها، وتجدد فيها مؤسساتها لكي تبقى منسجمة مع القانون وتعبر عن وجود دينامية داخلها فهذا أمر أساسي.
وبطبيعة الحال فإن المؤتمر في امتثال للتنظيم القانوني للأحزاب السياسية ».
الأمر الثاني الذي لفت إليه قراقي « هو أنه عادة نحن نعرف أن الأحزاب السياسية حين تكون في الحكومة تنسى التنظيم الداخلي وبطبيعة الحال ترجئ هذا إلى ما بعد خروجها من الحكومة، وبعد الخروج تكون منهكة بالعمل الحكومي من جهة وتكون الأزمة التي جرى غض الطرف عنها داخل التنظيم قد تعمقت وهذا بطبيعة الحال ينتهي في بعض الأحيان إلى انقسامات أو أمور تنعكس في جميع الأحوال على صيرورة الحزب وتماسكه وقوته ووجوده في الحياة السياسية ».
وأضاف « الآن ما نعيشه هو أن حزبا في السلطة يقرر أن يعالج الأزمة بطريقته ويبدو لي أن هذا الإمر يمكن أن يقدم طاقة جديدة لحزب الأصالة والمعاصرة بحكم أنه في السلطة، ومارس نقدا ذاتيا وقرر أن يجدد قوته وقدراته وقواه الفاعلة ومن هنا يمكن أن نقول إن الحزب حين يكون في مرحلة قوة ويكون في الحكومة ويقرر تجديد قدراته تكون لهذا الأمر انعكاسات إيجابية، عكس ما يحدث في حال ترك الأمور إلى ما بعد الخروج من باب الانتخابات لينكب على المراجعات الكبرى فإن هذا ينعكس سلبا على الحزب ».
ويتوقع المحلل السياسي أن « يكون لهذا الأمر من الإيجابيات الشيء الكثير، نحن نعلم أن الأحزاب السياسية في المغرب التي تنسق أعمالها امرأة قليلة جدا، وإن لم تخنني الذاكرة هناك حزب واحد، وكان هناك أيضا حزب اليسار الموحد بقيادة نبيلة منيب، ما يعني أن التجربة مرت مع حزبين، و »البام » يقدم هذا النموذج بمعنى أن سيدة هي التي تنسق أعمال اللجنة الثلاثية، لهذا أقول بأنه عمليا فاطمة المنصوري هي التي تقود حزب الأصالة والمعاصرة وتنسق أعمال هذه التحولات الكبرى التي سيكون لها تأثير كبير، سواء على مستوى وجود الحزب في الحياة السياسية أو وجوده في الحكومة ».
وأشار إلى أنه « في إطار القيادة السابقة للحزب حدثت تشنجات بين الأصالة والمعاصرة وقيادته، ومكونات المجتمع، الآن يبدو لي أن هذا الأمر مع القيادة الحالية، التي في عمومها قيادة شابة ربما سيكون هناك تواصل من نوع آخر مع الشباب، الذي يشكل أغلبية المجتمع المغربي ستكون هناك إعادة نظر في القوانين والانخراط في الحزب ».
وأضاف أن « التطلع لمستقبل الحزب، وخوض الانتخابات المقبلة، أمور يبدو لي في العموم أنها إيجابية، لأن الحزب كيفما كان الحال لم ينسه وجوده في الحكومة أن ينظر إلى مكوناته، وأن يكون منفتحا على المجتمع، وبطبيعة الحال الحزب يضع منظومة أخلاقية يحترمها. والآن أصبح مفروضا عليه أن يحترم هذه المنظومة الأخلاقية والتأكد أكثر من الأشخاص الذين يمكن أن يغريهم الانضمام إلى الحزب ».
وختم بالقول إن « ما عاشه الأصالة والمعاصرة هو دعوة لكل الأحزاب السياسية لتعطي أهمية كبرى للأخلاق، وأن تجعل السياسة مرادفة للأخلاق، وأنها لا يمكن أن توجد بعيدة عنها، وأن يكون هناك سمو القانون فوق الجميع، وأن تسود قاعدة يحترمها الجميع. وألا تصير السياسة غطاء يمكن أن يغطي به أي مناضل أنشطته، التي لا يسمح بها القانون. ففي جميع الأحوال هذا موقف شجاع، أظن أنه ينسجم مع ما يطلبه جميع نزهاء هذا الوطن، وهو أن تكون السياسة مرادفة للأخلاق ».