لا مجال للشك في أن السبب وراء اعتقال الكاتب الكبير بوعلام صنصال، الحامل للجنسيتين الجزائرية والفرنسية، هو تصريحه في الثاني من أكتوبر 2024 لمجلة فرنسية، حيث قال: «عندما استعمرت فرنسا الجزائر، كانت كل المناطق الغربية للجزائر جزءا من المغرب». وهو الآن يواجه احتمال عقوبة سجن قاسية. ورغم اعتراضات المؤرخ بنيامين ستورا الذي يرى أن هذا التصريح «يجرح الشعور الوطني الجزائري»، فإن التاريخ يبقى كما هو...
قبل الاستعمار الفرنسي، لم تكن إيالة الجزائر العثمانية موجودة كدولة، بينما كان المغرب العريق يسيطر بشكل فعلي على المناطق التي تُعرف الآن بالغرب الجزائري. لكن في الجزائر اليوم، مجرد الإشارة إلى هذه الحقيقة التاريخية قد تؤدي إلى السجن المؤبد.
نعم، بوعلام صنصال على حق، لأن المغرب، قبل الحقبة الاستعمارية، كان المركز السياسي والديني والاقتصادي والتجاري لغرب الصحراء بأكمله. وإلى الجنوب، امتد تأثير المغرب إلى ما وراء منطقة تگانت، وسيطر على طرق الصحراء الغربية، بالإضافة إلى أهم مراكزها الحضرية والتجارية. اقتصاديا، كان المجال التجاري المغربي يمتد من مدن شمال المغرب إلى وادي نهر السنغال ومنطقة تمبكتو، مرورا بأسواق كلميم وتندوف. وكانت البضائع تتنقل داخل هذا المجال دون عوائق جمركية، حيث كانت تُعتبر جزءا من تجارة داخلية ضمن حدود دولة واحدة، هي الدولة المغربية.
إلى الشرق، كانت مناطق توات، تيديكلت، قورارة، تندوف، بشار، وتبلبالة، التي منحتها فرنسا للجزائر في عام 1962، تُدار من قبل قادة محليين يُعينهم السلطان المغربي.
إقرأ أيضا : المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: لماذا يتبنى «النظام» الجزائري موقفا حربيا؟
بعد التقسيمات الاستعمارية، تم رسم حدود لم تأخذ في الاعتبار هذه الحقائق الاجتماعية والتاريخية، ما أدى إلى ظهور حدود مصطنعة أصبحت لاحقا حدود الجزائر المستقلة عام 1962. الجزائر، التي ورثت جغرافيا حدود الجزائر الفرنسية، يرفض قادتها الاعتراف بهذه الحقائق.
في الواقع، تعرض المغرب حينها للتفكك، وانتهكت حقوقه التاريخية، سواء إلى الشرق نحو الجزائر الحالية، أو إلى الجنوب حيث انطلقت آخر حركات المقاومة ضد الاستعمار بقيادة ماء العينين والهيبة.
عند نيل الاستقلال، وجد المغرب نفسه أمام وضع لا يطاق؛ حيث طُلب منه ليس فقط التخلي عن مناطقه الشرقية والجنوبية، بل قبول أن تُمنح هذه المناطق لدول لم تكن موجودة أصلا في الماضي. ومن أجل تسوية سياسية إقليمية، تخلى المغرب عن مطالباته المشروعة بخصوص مناطقه الشرقية، بما في ذلك تندوف، توات، قورارة، تيديكلت، بشار، وتبلبالة، لكنه كان يتوقع في المقابل دعم الجزائر في قضيته العادلة المتعلقة بـ«الصحراء الإسبانية». إلا أن آمال المغرب خابت، حيث أصبحت الجزائر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو.
مع قضية بوعلام صنصال، يُظهر النظام الجزائري أنه في حالة يأس. فمحاولاته العسكرية عبر البوليساريو باءت بالفشل، وعلى الصعيد الدبلوماسي، تسببت موجة الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في تقويض آماله. ومع تمسك القيادة الجزائرية، التي شاخت سياسيا وبيولوجيا، بمواقفها البالية، لم يتبقَّ لها سوى سلاح أخير: السجون.