بعد حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤخرا، وهي آخر جمعية مستقلة نشطة في البلاد، هدد النظام الجزائري هذه المرة النقابات العمالية من خلال إنزال عقوبات جنائية جديدة عليها وفرض قيود أخرى على حق الإضراب.
كانت الدعوة إلى إضراب من نقابة البريديين الجزائريين، والذي نجح نجاحا باهرا يوم السبت 28 يناير في مكاتب البريد في جميع أنحاء البلاد، كافية لتقوم الطغمة العسكرية الجزائرية بتحريك أجهزتها القمعية، بدءا بالقضاء.
وهكذا، أوقف القطب الجنائي لمحكمة الجزائر، يوم الأحد 29 يناير، هذا الإضراب وأمر بفتح تحقيق « فوري » لتحديد هوية الأشخاص الذين كانوا وراء الدعوة للإضراب عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
هؤلاء « المشتبه بهم »، كما وصفهم البيان الصحفي الصادر عن المدعي العام، سيحاكمون لارتكابهم جرائم تتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة بهدف « عرقلة أنشطة وكالات بريد الجزائر ».
في الواقع، يتعلق الأمر بمطالب بسيطة تتعلق بالأجور، وهي المطالب التي لم تأخذها السلطات المختصة بعين الاعتبار، كانت وراء هذا الإضراب في بلد، حيث عرفت القدرة الشرائية للغالبية العظمى من حوالي 4 ملايين عامل ومتعاقد قوتهم الشرائية تآكلا من عام إلى آخر.
بحسب العديد من وسائل الإعلام الجزائرية، فإن المدعي العام بمحكمة الجزائر وجد ظروف تشديد لإعلان عدم قانونية إضراب عمال البريد الذين، بالإضافة إلى « التحريضات المجهولة »، « استهدفوا مصالح البريد خلال فترة دفع إعانات البطالة، التي ارتفعت اعتبارا من شهر يناير الجاري إلى 15 ألف دينار جزائري ». بسبب هذا التبرير « البائس »، فإن البيان الصحفي الصادر عن الجهاز القضائي هدد أيضا بأن القانون « سيتم تطبيقه بالصرامة اللازمة » ضد هؤلاء المشتبه بهم المجهولين.
وجاء دور وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، يوم الاثنين 30 يناير، لتزيد الطين بلة عندما أعلنت أنه « بعد توقف العمل في مكاتب بريدية معينة، أصدرت محكمة الدار البيضاء، الأحد 29 يناير 2023، قرارا تعلن بموجبه أن هذا الإضراب غير قانوني »، مضيفا أن « الإدارة العامة لبريد الجزائر ستتخذ جميع الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في النصوص القانونية والتنظيمية النافذة « لمعاقبة المضربين أو حتى فصلهم عن العمل.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأيام الأخيرة قد تميزت في الجزائر ببداية الصراع بين النظام الجزائري والمنظمات النقابية في البلاد، والتي كانت خفية حتى الآن بسبب الانحرافات الديكتاتورية للسلطة الجزائرية الحالية. هذه الأخيرة لم تتوقف عن حل الجمعيات والأحزاب السياسية وإغلاق المحطات الإذاعية وغيرها من وسائل الإعلام التي تحاول الحفاظ على استقلاليتها وحرية التعبير.
هذه الصحوة النقابية كانت متوقعة لأنه منذ وصول عبد المجيد تبون إلى الرئاسة الجزائرية، لم يجتمع « الثلاثي الحكومة- النقابات- أرباب العمل » إلا مرة واحدة.
في هذا السياق، وبعد سبات طويل، استفاق الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بالرغم من أنه مقرب جدا من الحكومة والذي كان النقابة الوحيدة التي شاركت في اللقاء الثلاثي، من سباته مؤخرا ليطالب من الرئيس الجزائري أن يسحب فورا مشروعي قانونين متعلقين بالنقابات، واللذين تناقشهما الحكومة منذ أكتوبر الماضي، دون أدنى تشاور مع الأطراف المعنية.
وتهدف مشاريع القوانين هذه إلى إصلاح ممارسة النشاط النقابي في اتجاه التقييد الصارم للحق في الإضراب، أو حتى حظره الصريح في العديد من القطاعات، التي تعتبر « حساسة »، من الوظيفة العمومية. يتعلق الأمر قبل كل شيء بقطاعات معروفة بأنها متمردة ومسيسة للغاية، مثل التعليم والصحة، والتي، مثل قطاعات الوظيفة العمومية الأخرى، يمثلها اتحاد النقابات العمالية المستقلة، الذي يضم الآلاف من المنتسبين إليه.
إن الإجراءات القانونية الجارية ضد عمال البريد المضربين، إضافة إلى مشاريع القوانين التي تعمل عليها حكومة أيمن عبد الرحمن، تجعل الجزائر الدولة الوحيدة في العالم التي تحد من حق الإضراب في قطاعات معينة وتجرمه في قطاعات أخرى. وهذا يشكل ليس خرقا للدستور الجزائري فحسب، بل أيضا للاتفاقيات الدولية التي وقعتها الجزائر مع مكتب العمل الدولي ومنظمة العمل الدولية.