الرجل حاضر في كل الجبهات، ولا يمر يوم دون أن يُذكَر اسمه كلما تعلق الأمر بأخبار الأقاليم الجنوبية. والسبب هو أن الخطاط ينجا يتواجد على رأس جهة الداخلة-وادي الذهب، التي تراكم مشاريع التنمية وأوراش أخرى في البنية التحتية. ومن الطبيعي أن يشارك رئيس المجلس الجهوي في كل الأحداث، وفي كل المفاوضات، وكل عقد يتم توقيعه في هذه المنطقة الشاسعة يمر عبر مكتبه.
الخطاط ينجا، الذي ما زال شابا نسبيا (ولد عام 1962) والديناميكي، والذي لا يهاب الميكروفونات والكاميرات، يعرف كيف يجذب الأضواء. متعدد اللغات، يعرف كيف يتنقل بين الثقافات، يحلو له أن يبلس «الدرّاعة»، اللباس الرمزي في الصحراء المغربية، كما لا يجد غضاضة في أن يلبس البدلة العصرية التي يتطلبها منصبه في بعض الأحداث.
لكن نقطة قوته الحقيقية هي الفعل أولا وقبل كل شيء. وبمناسبة الزيارة الأخيرة التي قام بها السفير الفرنسي إلى المغرب، وهي الأولى من نوعها على مستوى الأقاليم الجنوبية، قدّم الخطاط ينجا، مرة أخرى، الدليل على ذلك. فيوم 12 نونبر 2024، في الداخلة، عندما بدأ كريستوف لوكورتييه المرحلة الثانية من زيارته الصحراوية. وبين الرجلين، سرعان ما توارت قواعد البروتوكول وتقاليد الترحيب، التي صنعت سمعة الصحراء، وفسحت المجال لمودة بدت وكأنها صداقة طيّبة بينهما.
وردا على سؤال لـLe360، لخص رئيس الجهة الرهان في بضع كلمات: «إنها ترجمة ميدانية لموقف فرنسا الجديد الداعم لمغربية الصحراء». وحلل قائلا: «هذا في حد ذاته انتصار كبير». ولكن ليس ذلك فحسب: المهم هو وضع إطار يسمح للمستثمرين باغتنام الفرص التي توفرها المملكة في هذه الجهة.
السفير الفرنسي يحلّ بمدينة الداخلة لاكتشاف فرص الاستثمار بأقصى جنوب المملكة المغربية
وأكد قائلا: «الداخلة، التي تشهد تنمية هائلة وحيث تم إنجاز جزء كبير من المشاريع المبرمجة في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، تعد منجم ذهب في هذا المجال». وهكذا، استضافت المدينة حملة ترويجية اقتصادية نظمتها الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، بمشاركة أكثر من خمسين رجل أعمال فرنسي.
يعد الخطاط ينجا نموذجا للجيل الجديد من القادة الصحراويين الذين لم تعد قضية الأقاليم الجنوبية بالنسبة لهم تطرح فقط من زاوية الوحدة الترابية للمملكة، التي تحققت بفضل تضحيات عديدة، ولكن تطرح من الآن فصاعدا من زاوية التنمية الشاملة. وهذا أمر جيد: فالجهة التي يرأسها منذ عام 2015، والتي يعد أيضا أحد الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين فيها، تلعب أدوارا ريادية في هذا المجال.
من الأفكار «الثورية» إلى الثورة الواقعية والحقيقية
ومع ذلك، لا شيء كان يوحي بأن هذا الرجل المزداد بالداخلة أن يكون له مثل هذا المصير، بل على العكس تماما. فالخطاط ينجا، ابن قبيلة أولاد دليم، وهي قبيلة عريقة تمتد بين الصحراء المغربية وموريتانيا، بدأ مساره شرق الجدار الدفاعي. ففي نهاية السبعينيات، انضم ينجا ينجا الشاب إلى صفوف جبهة البوليساريو في مخيمات تندوف الجزائرية. كان عمره آنذاك 16 سنة، وكان متأثرا بالمثل «الثورية» في ذلك الوقت. عمل داخل الميليشيا المسلحة كمدرس للرياضيات، ولكن أيضا كزعيم لشباب البوليساريو. لكن عندما بلغ مرحلة النضج ووعى بتلاعبات وأكاذيب الحركة الانفصالية، قرر مغادرة معسكرات البوليساريو نهائيا، أولا إلى موريتانيا، ثم إلى مسقط رأسه في المغرب.
ثم انفتحت أمامه الطريق على كل الاحتمالات. فبعد أن عمل مفتشا في المالية لبعض الوقت، سئم في نهاية المطاف من الوظيفة العمومية وقرر ولوج عالم الأعمال. بدأ يراكم ثروته من بيع السيارات المستعملة، وهي تجارة مزدهرة لم تعرف أي أزمة أو حدود بين المغرب وموريتانيا والسينغال، وهي المنطقة التي كانت فيها السيارات الألمانية مؤشرا حقيقيا على الوضعية الاجتماعية.
لكن الخطاط ينجا لم يكن إلا في بدايته. وبسرعة، قرر دخول قطاع صيد الأسماك. ومن خلال شركته الداخلة أتلانتيك (Dakhla Atlantic)، استثمر في وحدات التجميد بالداخلة، وأصبح مع مرور الوقت أحد أكبر مصدري الأسماك إلى العديد من الأسواق بما في ذلك إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وآسيا. ومما يدل على وزنه (الثقيل) في القطاع: شغل بين 2013 و2015 منصب رئيس الجمعية المغربية للمصدرين. وخلال ذلك، قام بتنويع أنشطته من خلال توسيعها لتشمل العقارات والبناء، ولا سيما من خلال مجموعات «Yan Drog Entretien» و«Koy BTP».
«قصة النجاح هاته وحدها دليل على أن كل شيء ممكن في الصحراء المغربية، وأن الوقت هو للعمل والفعل»، يلخص أحد أقاربه. عمل الشخص المعني لا يتوقف عند هذا الحد. في حين أن المنطق يملي أن السياسة هي التي تؤدي إلى الأعمال التجارية، إلا أن الخطاط ينجا اتخذ المسار المعاكس.
وبفضل ثقله الاقتصادي دخل عالم السياسة، واختار عام 2015 الانضمام إلى صفوف حزب الاستقلال. ترشح في السنة نفسها لرئاسة جهة الداخلة-وادي الذهب، فاز بلا صعوبة. وهو المنصب الذي ما يزال يشغله حتى اليوم.
والأكثر من ذلك، أصبح هذا الانفصالي السابق أحد أكبر المدافعين عن مغربية الصحراء. وبوصفه رئيسا للجهة، يتواجد الخطاط ينجا في طليعة الوفد المغربي الذي شارك في مسلسل الموائد المستديرة حول الصحراء، المنظمة تحت رعاية الأمم المتحدة بجنيف، في دجنبر 2018 ومارس 2019.
Lors de la participation de la délégation marocaine au processus onusien des tables rondes sur le Sahara à Genève, en décembre 2018 et en mars 2019.
مركز اقتصادي كبير
ومن كرسيّه الرئاسي، سيكون الخطاط ينجا شاهدا وفاعلا رئيسيا في التحول الذي تعرفه الداخلة والمنطقة برمتها. فقد أصبحت مدينته الآن تحظى بمكانة مهمة كمركز اقتصادي كبير، بمشاريع طموحة مثل ميناء الداخلة الأطلسي وطريق تزنيت-الداخلة السريع، وقطاعات اقتصادية متنوعة. من الفلاحة إلى الصناعة الغذائية، وحتى الطاقات المتجددة والسياحة، أصبحت الداخلة اليوم وجهة أساسية للمستقبل.
تمظهرات هذه المسيرة إلى الأمام متعددة. التمظهر الأول هو انتعاش السياحة: من ثماني مؤسسات مصنفة في عام 2012، يوجد في المدينة حاليا 45. ومن 5231 زائرا في عام 2006، استقبلت أكثر من 44000 سائح في عام 2023.
وفي ما يخص الطاقات المتجددة، تستضيف المدينة مشروع مزرعة الرياح التي سيوفر إنتاجها الكهرباء لمحطة تحلية مياه البحر المستقبلية، والتي سيتم تشغيلها في عام 2025. وستزود هذه الأخيرة المدينة وجهتها بمياه الشرب، وستسمح بري العديد من المشاريع الفلاحية.
انفتاح قاري
الداخلة تحتضن أيضا مشروع الطريق السريع الكهربائي الاستراتيجي بقدرة 3 جيغاواط، الذي يمتد إلى الدار البيضاء، وعدد من مشاريع وحدة إنتاج الهيدروجين الأخضر التي ستضع المغرب بين الموردين الأكثر تنافسية في العالم.
وستصبح المدينة أيضا أحد محاور الحركة الجوية في البلاد. فبعد شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية، وشركة بينتر كانارياس الإسبانية وشركة ترانسافيا الفرنسية، قررت شركة رايان إير العملاقة الأيرلندية مؤخرا رحلات دولية تربط المدينة بمدريد ولانثاروتي، في جزر الكناري.
كما تعد الداخلة القلب النابض لمشاريع عملاقة ذات طبيعة قارية، بما في ذلك المبادرة الملكية لولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، أو خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي أعيدت تسميته حديثا بخط أنابيب الغاز الأطلسي الإفريقي، باستثمار يقدر بحوالي 26 مليار دولار. دون أن ننسى، مرة أخرى، ميناء الداخلة الأطلسي الضخم، قيد الإنشاء حاليا ومن المقرر أن يصبح المركز التجاري بين غرب إفريقيا وبقية العالم.
État d'avancement des travaux de construction du port Dakhla Atlantique. (S.Bouaamoud/Le360). سويلم بوعمود
من بين كل هذه الإنجازات والمشاريع والإمكانات، يرغب الخطاط ينجا اليوم أن يكون سفيرا لها. «إنه يعرف كل جزء من المنطقة عن ظهر قلب، ويمكنه تفصيل كل مشروع دون الحاجة حتى إلى أدنى بطاقة. إنه ليس فقط مخاطب موثوق للمستثمرين، ولكنه أيضا تاجر ماهر»، يقول أحد المساعدين المقربين منه.
في أبريل الماضي، دافع ابن الداخلة عن القضية (الاقتصادية) لجهته في مدريد. وفي شهر ماي، توجه إلى لندن. وعندما لا يكون في المطار، فهو يتواجد في مكتبه بالداخلة يستقبل الوفود الأجنبية. وفي كل مهمة من مهامه، وفي كل دور من أدواره، يبقى الخطاط ينجا تجسيدا لهدف يركز جهود البلد بأكمله: جعل الصحراء رافعة تنمية وازدهار المملكة المغربية.