منذ أسابيع وطلبة الطب في الجزائر يحتجون للمطالبة بتحسين جودة التعليم الطبي وزيادة الدعم المالي لهم خلال التربصات العملية، بالإضافة إلى إتاحة المزيد من مناصب الشغل للأطباء العامين، وتقليص ازدحام المؤسسات التعليمية نتيجة التوسعات غير المدروسة. ويعتبر هؤلاء الطلبة أن مطالبهم تتجاوز المصلحة الشخصية، بل هي دعوة لإصلاحات جذرية في قطاع التعليم الطبي الذي يعاني من تدهور البنية التحتية ونقص الدعم.
ورغم أن هذا الاحتجاج يأتي ضمن حق الطلبة المشروع في التعبير عن استيائهم، إلا أن الإعلام الجزائري الرسمي سارع إلى إلقاء اللوم على المغرب من خلال ادعاء وقوفه وراء تحريض الطلبة الجزائريين على مواصلة الإضراب.
اتهامات مجانية للمغرب: تكرارٌ لنمط قديم
كالعادة، لجأ النظام الجزائري إلى تحميل المغرب مسؤولية أزماته الداخلية. فقد اتهمت الصحافة الجزائرية، وفي مقدمتها صحيفة « الخبر » المقربة من السلطة، المغرب بالتورط في « خلق الفوضى » بين طلبة الطب، استنادا إلى تسجيل صوتي لم يتم التحقق من مصداقيته.
يتضمن التسجيل المتداول مقطعا صوتيا لحديث يجمع فتاة تدعى « شهرزاد » وهي طالبة طب جزائرية، مع فتاة أخرى يزعم الإعلام الجزائري أنها طالبة طب مغربية.
وتقول « الطالبة المغربية » في التسجيل المتداول: « فيما يخص التضامن، لا تخافي شهرزاد.. يجب أن تكونوا متحدين، نحن طلبة الطب المغاربة ضللنا صامدين مدة 11 شهرا، مرت علينا صعبة جدا، لكننا صرنا رغم الهلع والقلق... ».
وختمت قائلة: « لا تخافوا أبدا من السنة البيضاء، نحن قاطعنا سداسيين وبدأنا السداسي هذا العام... ».
ورغم أن المحادثة المسربة بين الطالبتين قد يُفهم منها – حتى لو افترضنا صحتها – أنها تشجيع على مواصلة الاحتجاج إلى غاية تحقيق المطالب، إلا أنه من غير المعقول أن يكون لمحادثة خاصة بين طالبتين تأثير يصل إلى درجة «زعزعة استقرار البلاد» كما زعمت وسائل الإعلام الجزائرية.
ومع ذلك فكل شيء متوقع الحدوث في بلاد « العالم الآخر » حيث لا يستقيم المنطق، إذ نشر محمد دخوش، وهو أحد مسؤولي التحرير في قناة « الجزائر الدولية »، التسجيل وكتب في حسابه على موقع X: « هذا تسجيل صوتي لمغربية تنسق الاحتجاج في الجزائر من خلال اتصال مع طالبة طب جزائرية. »
وأردف مضيفا بكل ثقة في النفس: « للأسف بعض طلبة الطب وقعوا في مخطط مصطنع بينما كل قنوات الحوار كانت مفتوحة معهم. »
وفي الواقع، تفتقر هذه الادعاءات إلى أدلة ملموسة، ويبدو أن الهدف منها ليس سوى خلق عدو خارجي لتبرير تقاعس السلطات عن معالجة الأزمات.
محاولة لتحويل الأنظار عن مشاكل داخلية
سارع طلبة الطب الجزائريين إلى الرد على ما وصفوها بـ »قنوات العار »، حيث نظموا وقفات في كل كليات وملحقات الطب رفعوا خلالها الراية الوطنية ورددوا النشيد الوطني الجزائري، وذلك ردا على وسائل الإعلام (المسخرة من النظام) التي شككت في وطنيتهم واتهمتم بالعمالة إلى « جهات خارجية ».
وشدد الطلبة المحتجون على مواصلة نضالهم السلمي إلى غاية تحقيق مطالبهم المشروعة.
إن اتهام المغرب بالتدخل لا يعكس إلا هروب النظام الجزائري من مواجهة الحقائق المؤلمة للواقع الداخلي. فبدلا من الاستجابة لمطالب الطلبة والسعي لتحسين قطاع التعليم الطبي، يصر النظام على تحويل الأنظار نحو « مؤامرات خارجية ». ولا يُعتبر هذا الاتهام الأول من نوعه، إذ دأب النظام على استغلال مثل هذه القضايا كوسيلة لإلهاء الرأي العام وصرفه عن مشاكله الحقيقية.
مطالب متزايدة وتدهور مستمر
تستمر احتجاجات طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في الجزائر نتيجة للتدهور الشديد في قطاع التعليم الطبي، حيث يعاني الطلبة من نقص التكوين وقلة فرص التدريب في المستشفيات. كما يطالب الطلبة بإعادة تصنيف الصيادلة وأطباء الأسنان، وزيادة فرص التوظيف، وتفعيل دور الصيدلي المساعد، وإنشاء مستشفيات جامعية في المناطق الجنوبية.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه مطالب الطلبة الجزائريين، يستمر النظام في تجاهل الأزمة الحقيقية وتفضيل سردية « العدو الخارجي » لإشغال الرأي العام عن المشكلات الداخلية. تعد هذه الاحتجاجات نتيجة طبيعية لفشل النظام التعليمي والسياسات المتبعة، لكن هل يكفي تحميل المغرب مسؤولية هذه الأزمات لصرف الأنظار عن الواقع الداخلي المأزوم الذي يعاني منه الشعب الجزائري على شتى الأصعدة؟