في ذلك السبت، لعبت الدبلوماسية المغربية واحدة من أوراقها الأكثر هدوءًا، لكنها من بين الأقوى تأثيرا. في عطلة نهاية الأسبوع، وفي الوقت الذي تكون فيه معظم غرف الأخبار في وضع خمول، تصل دعوة يوم السبت 31 ماي: الموعد في اليوم التالي، الأحد، للقاء «بالغ الأهمية» بين ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، ونظيره البريطاني ديفيد لامي. استدعاء عاجل، شبه سري، وُجه فقط إلى أهم وسائل الإعلام.
ضيف اللقاء شخصية بارزة، لكن على الورق لم يكن هناك ما يثير الحماسة: حوار استراتيجي مغربي-بريطاني، جلسة مغلقة، توقيع اتفاقيات قانونية… برنامج يبدو باهتا. لكن من يعرف أسلوب بوريطة يدرك أن الدبلوماسية المغربية لا تُعدّ طبقا دون بهارات. عندما يصف البلاغ الرسمي لقاء بأنه « بالغ الأهمية »، فإن من الأفضل الإصغاء جيدا، لأن ما لا يُذكر في البرنامج غالبا ما يكون الأثقل وزنا. الطاقات المتجددة؟ غائبة رسميا. ملف الصحراء؟ كذلك، على الأقل على الورق. لكن من لا يعرف الرباط، يجهل أن البلاغات لا تملأها العبارات الرنانة؛ بل يُعتنى بالصمت، وتُوزن الكلمات بدقة، ويُترك للفعل أن يتكلم.
الدليل جاء من خلال تصريح رسمي، واضح ودقيق، أدلى به وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية، الذي يتولى المنصب منذ يوليوز 2024. قال في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره المغربي يوم الأحد بالرباط: « تعتبر المملكة المتحدة أن المقترح المغربي للحكم الذاتي هو الأساس الأكثر مصداقية وواقعية وبراغماتية من أجل تسوية مستدامة للنزاع. »
بهذه الكلمات، أنهت الدبلوماسية البريطانية عقودا من الحياد، واختارت الانضمام، وبأجمل الطرق، إلى صفوف القوى والدول العالمية التي تدعم خطة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.
وقد كان هذا الموقف البريطاني المنتظر امتدادا طبيعيا لموجة الدعم المتزايدة للمقترح المغربي. فبعد الدعم الأمريكي والفرنسي للسيادة المغربية على الصحراء، تميز الموقف البريطاني بكونه أكثر تقدّمًا حتى من موقف إسبانيا. خاصة وأن المملكة المتحدة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقد أوضح ناصر بوريطة خلال الندوة الصحفية: « إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وروسيا، فإن المملكة المتحدة أيضا تُعدّ من أصدقاء الأمين العام للأمم المتحدة في ملف الصحراء.»
هذا « النادي غير الرسمي » تأسس في أوائل تسعينيات القرن الماضي بمبادرة من جيمس بيكر، الذي كان حينها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، وكان الهدف منه دعم خطة أممية لتنظيم استفتاء. لكن التحولات الجيوسياسية العميقة وواقع الأرض أعادا رسم أدوار هذا التحالف. اليوم، هناك اصطفاف غير مسبوق حول السيادة المغربية على الصحراء الغربية. فرنسا، الولايات المتحدة، إسبانيا، والآن المملكة المتحدة تعلن ذلك صراحة. أما روسيا، فرغم أنها لا تصرح بذلك علنًا، فإنها تُقرّ به بحكم الأمر الواقع.
لم يمر الموقف الجديد دون أن يُثير ردود فعل قوية في بريطانيا. فقد علّق النائب البريطاني وعضو مجلس العموم، ليام فوكس، على منصة « إكس »، بالقول: « المملكة المتحدة أدركت أخيرا أن المبادرة المغربية بشأن الصحراء الغربية هي الخيار الوحيد الموثوق به على الطاولة، وانضمت إلى موقف حلفائنا الأمريكيين وعدد من الأوروبيين ».
يُذكر أن فوكس، الذي شغل عدة مناصب وزارية وكان مرشحا سابقا لرئاسة حزب المحافظين، الحزب الرئيسي في المعارضة البريطانية والذي سيعقد مؤتمره في سبتمبر المقبل، يُعد من أبرز المدافعين عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ويدعو منذ سنوات إلى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية.
وأضاف فوكس مهنئا: « لقد حان الوقت الآن للاستفادة الكاملة من هذه الفرصة، ودعوة جميع حلفاء المملكة المتحدة، بما في ذلك شركاؤنا في الكومنولث، للانضمام إلينا في هذا المسار التحرري. إنه تحدٍّ للقيادة العالمية ينبغي على بريطانيا أن تتبناه بحماس، فالرّهانات كبيرة والفرص تاريخية ».
رد فعل باهت من الجزائر
لا مجال للّبس هنا؛ فدعم بريطانيا للمقترح المغربي بالحكم الذاتي باعتباره « الأساس الأكثر مصداقية وجدوى وبراغماتية لحل دائم للنزاع »، يُعد بمثابة اعتراف ضمني بمغربية الصحراء.
وقد أوضحت ذلك صراحةً الصحيفة البريطانية الوازنة «فاينانشال تايمز»، قائلة إن « تصريحات ديفيد لامي تُعدّ اعترافا فعليا من بريطانيا بسيادة الرباط على هذا الإقليم المتنازع عليه ».
وأضافت الصحيفة أن « دعم بريطانيا للمبادرة المغربية يأتي في وقت كثّف فيه المغرب حشد التأييد الدولي لموقفه »، مذكّرةً بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعترف بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020، في نهاية ولايته الأولى، كما دعمت فرنسا الخطة المغربية العام الماضي، وأيّدتها إسبانيا سنة 2021.
من جهته، يرى المحلل السياسي مصطفى طوسة أن لهذا القرار تأثيرا مباشرا سيطال عدة بلدان من الكومنولث، وخاصة في إفريقيا الناطقة بالإنجليزية. وقال: « في هذه الدول الإفريقية هناك معاقل لا تزال تتعاطف مع البوليساريو وتُعترف بالجمهورية الصحراوية الوهمية. هناك احتمال كبير أن تعيد هذه الدول النظر في موقفها وتُقرّ بمغربية الصحراء ».
ويُتوقع أيضًا أن ينعكس هذا التحول داخل أروقة مجلس الأمن. يُوضح طوسة: « حين يكون لديك ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن يسيرون في اتجاه دعم مغربية الصحراء، فذلك سيؤثر حتمًا على موقفي الصين وروسيا، خاصة عندما تصبح الكفة ثلاثة مقابل اثنين. ونحن نعلم جيدًا أن الصين وروسيا لا ترغبان مطلقًا في ظهور دولة سادسة في منطقة المغرب العربي ».
أما على الجانب المقابل، فقد اختارت الجزائر، الأكثر عزلة من أي وقت مضى، الردّ بتصريح باهت. ففي بيان تميّز بالتناقض والتيه الدبلوماسي، أعربت الخارجية الجزائرية عن « أسفها » لموقف المملكة المتحدة، وهاجمت خطة الحكم الذاتي، معتبرة أنها « لم تكن يوما قاعدة لحل سياسي لهذا النزاع، بل هدفها كان دائما شغل الساحة وإعاقة أي بحث جاد عن حل، ومنح المغرب الوقت لفرض الأمر الواقع وتهيئة المجتمع الدولي تدريجيًا لتقبّل الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية ».
وفي محاولة بائسة للتخفيف من وطأة الموقف، واصلت الجزائر إنكار الواقع، مدعيةً أن « المملكة المتحدة لم تُعرب عن دعمها للسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، ولا تُبارك الاحتلال غير الشرعي لهذا الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي حسب الشرعية الدولية ». لكن هذا الادعاء يتجاهل حقيقة أن الحكم الذاتي يعني ضمنا السيادة المغربية، وأن الموقف البريطاني الجديد له آثار ملموسة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.
فقد أكد البيان المشترك الصادر يوم الأحد بين الوزير المغربي ناصر بوريطة ونظيره البريطاني ديفيد لامي أن « UK Export Finance » يمكنها النظر في دعم مشاريع بالصحراء المغربية، ضمن التزامها بتعبئة 5 مليارات جنيه إسترليني لدعم مشاريع اقتصادية جديدة في مختلف أنحاء المملكة. وبذلك لا نتحدث فقط عن اعتراف سياسي، بل عن دعم مالي مباشر وملموس. أما الإنكار الجزائري، فلا يزيد إلا من اختناق النظام أمام الأمر الواقع الجديد.
وفي رد فعلها المرتبك، أبدت الجزائر أملها في أن تواصل بريطانيا، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن، « محاسبة المغرب على مسؤولياته الدولية، وضمان احترام الشرعية الدولية، وخاصة مبادئ الأمم المتحدة في ما يخص إنهاء الاستعمار ». غير أن اللافت هو غياب أي إشارة إلى سحب سفيرها من لندن أو اتخاذ إجراءات دبلوماسية انتقامية، على غرار ما فعلته مع إسبانيا وفرنسا. وهذا ما يؤكد أن تعامل الجزائر مع الولايات المتحدة وبريطانيا يختلف تماما عن تعاملها مع الأوروبيين.
في نهاية المطاف، يبدو أن هذا كل ما تستطيع الدبلوماسية الجزائرية فعله اليوم: اللعب على الكلمات. ويختم طوسة تحليله قائلا: « الجزائر تحاول التمسك بفروق سطحية بين الموقف البريطاني والموقف الفرنسي، وتتعلّق بأمل زائف. لكنها مجرد مراوغة إعلامية. موقف المملكة المتحدة يُعدّ المسمار الأخير في نعش الطرح الانفصالي الجزائري. حتى الروس لم يعودوا حلفاءها، أما الصينيون، فلن يغامروا بدعم مشروع انفصالي، خاصةً في ظل أزمة تايوان. إنها هزيمة كاملة ».




