دفع النظام إلى مراجعة موقفه من الصحراء: الدافع الحقيقي لزيارة مسعد بُولُس إلى الجزائر

Le président algérien, Abdelmadjid Tebboune, et le conseiller du président des États‐Unis pour l’Afrique, Massad Boulos, à Alger, le 27 juillet 2025.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ومستشار الرئيس الأمريكي لإفريقيا مسعد بولس في الجزائر العاصمة في 27 يوليوز 2025

في 20/09/2025 على الساعة 13:15

إذا كان مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا قد قام بزيارة إلى الجزائر في يوليوز الماضي، فإن الهدف كان واضحا، وفق ما كشفه موقع الحرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية: إقناع السلطات الجزائرية بقبول مخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء أو، على الأقل، دفع جبهة البوليساريو إلى اعتماد نهج أكثر مرونة يتماشى مع توجهات واشنطن. إنها مهمة سرية تلقي الضوء على كواليس التقارب التكتيكي الذي تجريه الولايات المتحدة تجاه الجزائر.

المعطيات التي كشفها موقع «الحرة» الأمريكي مهمة للغاية: خلال زيارته إلى الجزائر في يوليوز الماضي، عمل مسعد بُولُس، مستشار الرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بهدوء على حث السلطات الجزائرية على قبول مقترح الحكم الذاتي المغربي بالصحراء أو، في الحد الأدنى، ممارسة نفوذها على جبهة البوليساريو لتبني مقاربة أكثر مرونة، تتماشى مع الرؤية الأمريكية. هذه الخطوة، التي لم يُعلن عنها رسميا، تعكس رغبة الولايات المتحدة في إخراج ملف الصحراء من حالة الجمود واحتواء تداعياته المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

ويوضح موقع الحرة أن هذه الرسالة تأتي امتدادا للموقف الأمريكي. فالدعم الصريح الذي أعلنته الإدارة الأولى لترامب سنة 2020 أعاد التأكيد عليه وزير الخارجية ماركو روبيو في أبريل 2025 عقب لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. وقال الوزير الأمريكي حينها: «الحل الوحيد لنزاع الصحراء يقوم على مقترح الحكم الذاتي المغربي».

وفي رسالة وجهها الرئيس ترامب إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الأخير، جدّد تأكيد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء ودعمها لمقترح الحكم الذاتي. وجاء في الرسالة: «أود أن أعيد التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وتدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، الجاد وذي المصداقية والواقعي، كقاعدة وحيدة لتسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع».

وفي السياق نفسه، وخلال استقباله يوم الجمعة 5 شتنبر الماضي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، أعاد مسعد بُولُس التأكيد على «الموقف الواضح» للولايات المتحدة من الصحراء، قائلا: «إن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل العملي الوحيد للصحراء الغربية».

كل ذلك يأتي ضمن المفاوضات الجارية قبيل التصويت على قرار جديد بخصوص ملف الصحراء في أكتوبر المقبل، والذي قد يشكل منعطفا، إذ من المرجح أن يدعم حصريا مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مع احتمال مراجعة صلاحيات بعثة المينورسو.

الأمن قبل كل شيء

لم يحدد موقع الحرة مدى نجاح مسعد بُولُس في إيصال رسالته، لكن المؤكد – حسب المصدر نفسه – أن الجزائر لم تغلق الباب أمام الحوار مع واشنطن. فالدبلوماسية الأمريكية، رغم تمسكها بدعم المغرب، تتبنى نهجا براغماتيا مع الجزائر يقوم على مواصلة التعاون في مكافحة الإرهاب، وتأمين إمدادات الطاقة، وتعزيز التبادلات الاقتصادية والثقافية.

وتلاحظ الباحثة سارة يركس، كبيرة الباحثين في مؤسسة كارنيغي، أن «العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة لم تكن قط بهذا القرب كما في السنتين الأخيرتين». وترى أن هذا التقارب يعود بدرجة أقل إلى السياسة وبدرجة أكبر إلى «انتعاش التبادلات الثقافية والتعليمية التي قرّبت بين المجتمعين بشكل غير مسبوق».

في ظل الحرب في أوكرانيا والأزمة الطاقية في أوروبا، باتت الجزائر، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في إفريقيا (4,5 تريليونات م³ مؤكدة)، وتنتج نحو مليون برميل من النفط يوميا، موردا بديلا مهما، بحسب المصدر. وتركز الولايات المتحدة اهتمامها على هذا الدور الاستراتيجي، وتكثف مبادراتها في مجالات الطاقات المتجددة والتعدين والصيدلة واقتصاد المعرفة.

من جهتها، أوضحت انتصار فاخر، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن «هناك عوامل أخرى حاسمة في العلاقة الثنائية، لا صلة مباشرة لها بإسرائيل. فالاستقرار الإقليمي، والتعاون العسكري المحتمل، والشراكة الاقتصادية الموسعة أهم بالنسبة للجزائر من الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام».

في الوقت الراهن، يبدو أن واشنطن استوعبت الموقف الجزائري الرافض بشكل قاطع لأي تطبيع مع إسرائيل. لكن هذا الرفض لا يشكل عائقا أساسيا بالنسبة للولايات المتحدة، التي تركز جهودها حاليا على ملف الصحراء. وفي هذا المشهد المعقد، تواصل واشنطن اتباع سياسة توازن دقيقة: دعم ثابت للمغرب في قضية الصحراء، وفي الآن نفسه بناء شراكة أمنية واقتصادية مع الجزائر. غير أن الولايات المتحدة، بين الجارين، اختارت على الدوام صف المغرب. وزيارة مسعد بُولُس إلى الجزائر لدفع النظام إلى قبول الحكم الذاتي في الصحراء دليل جديد على ذلك.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 20/09/2025 على الساعة 13:15