في كتاب « الداء الجزائري » (Le Mal algérien- Collection Bouquins) الصادر في شهر يونيو 2023 والمتوفر في مكتبة أنفا بالدار البيضاء، لا يكتفي جون لويس ليفيت (Jean-Louis Levet) وبول توليلا (Paul Tolila) برسم صورة قاتمة للسلطة التي يمارسها القادة الجزائريون منذ عام 1962. إنهما يضعانه في إطار تاريخ ملفق يهدف إلى إضفاء الشرعية على الاستغلال لخيرات البلاد من خلال « تحالف أصحاب الخزائن والحراب » الغريب الذي يشكل « النظام » الجزائري.
هذا الكتاب الموثق والذي كتبه اثنان من الاقتصاديين اللذين أقاما في الجزائر لعدة سنوات، يسلط الضوء على جذور ما يعتبرونه « الداء الجزائري ». كتاب يتعين قراءته وإعادة قراءته من قبل كل من لا زال يتغنى بالجزائر و« ثورتها ». كتاب ينبغي أن يكون أيضا الكتاب المقدس لهذا اليسار الفرنسي الذي له نظرة سلبية اتجاه المغرب ولكنه يتحدث بإجلال وخشوع عن الجزائر... بدءا بإيمانويل ماكرون الذي برر مسبقا جميع المتطلبات الجزائرية بـ« التعويض » عندما تحدث بطريقة غير مسؤولة، وفي الجزائر العاصمة نفسها، عن الاستعمار باعتباره « جريمة ضد الإنسانية ». وهكذا يكتب المؤلفان ما يلي:
« بما أن عبارة « جريمة ضد الإنسانية » تم نطقها (من قبل إيمانويل ماكرون) لوصف الاستعمار، فإن السلطات الجزائرية لديها القدرة على وضعنا في موقف الجناة الأبديين لأنها الجريمة الوحيدة التي لا تسقط بالتقادم » (ص 348).
موقف تم تلخيصه بشكل جيد في جملة واحدة من قبل المؤلفين: « اطلبوا منا الصفح...الذي لن يحصل أبدا » (ص 348).
في هذا الكتاب، نتابع خطوة بخطوة بناء التاريخ المزيف للجزائر، ونشهد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بسبب الفساد الهائل الذي قام به المنتفعون من الاستقلال. ولا نزال مذهولين من مدى تصفية الحسابات بين مختلف جماعات المافيا التي تتقاسم السلطة في البلاد.
كتب محمد حربي أن « التاريخ هو جحيم وجنة الجزائريين ». « جحيم »، لأن التاريخ عبارة عن تلاعب بالوقائع استنادا إلى عقدة وجودية تجعل أي تحليل عقلاني أمرا صعبا.
« جنة »، لأنه، لنسيان هذا « الجحيم »، يعيش القادة الجزائريون في تاريخ مزيف يتظاهرون بالإيمان به من خلال « تعويذة ملحمية دائمة » تهدف إلى « حماية النظام الجزائري ومصالح الطبقة الحاكمة المستفيدة منه » (ص14). كل ذلك مع « الرضا عن النفس الذي تتمتع به في فرنسا » سواء من اليسار الإعلامي أو مما يسمى بحركات « السكان الأصليين » أو « إنهاء الاستعمار ».
كما كتب المؤلفان كذلك:
« تبدو عجلة التاريخ للجزائر متوقفة في حرب الاستقلال التي تحتل مكانة رسمية للدولة الجزائرية التي تدعي صراحة احتكار روايتها الرسمية. وهي ليست بأي حال من الأحوال موضوعا للتحقيق الحر بالنسبة للمؤرخين » (ص 14).
من هنا استحالة مراجعة هذه الرواية الرسمية لأنها أصبحت عقيدة. في ظل هذه الظروف، نفهم أن « عمل الذاكرة المشتركة » العزيز على فرنسا ليس سوى مهزلة لأنه إذا فتحت باريس أرشيفها على نطاق واسع، فإن الجزائر تغلق أرشيفها الخاص...أما بالنسبة لعبد المجيد شيخي، النظير الجزائري لبنيامين ستورا في لجنة الذاكرة المشتركة، ووفقا لجون لويس ليفيت وبول توليلا، فإنه « يتصرف مثل مدعي عام وليس كمؤرخ » (ص 350).
ولذلك فإن التاريخ يقع في قلب كتاب « الداء الجزائري » لأنه يحجب ما حدث خلال الحرب، بما في ذلك اغتيال عبان رمضان، والفخ الذي نصب لعميروش، وقبل كل شيء، انقلاب عام 1962، عندما قام جيش الحدود، الذي لم يطلق قادته رصاصة واحدة، أطاحوا بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ونكلوا بالمقاومين وسحقوهم. التاريخ الرسمي، الذي أصبح إيديولوجية « النظام » الذي فعل وسيفعل كل شيء للبقاء في السلطة، لا يمكن بالتالي التشكيك فيه طالما أنه يحكم الجزائر.
« النظام » الذي لا يتورع عن استخدام أي شيء من أجل البقاء. وهكذا، عندما أصيب الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية، وأصبح غير قادر على القيام بواجباته، تم تمثيله خلال الاحتفالات الرسمية بصورته...
يبين الكتاب أن المستفيدين بشكل مباشر أو غير مباشر من الفساد هم المستفيدون من وزارة المجاهدين وجميع أفراد ما يسمى هناك « الأسرة الثورية »، الممثلة بشكل أساسي في المنظمة الوطنية للمجاهدين (منظمة تضم المجاهدين وأحفادهم. إلا أن الوزير الجزائري الأسبق عبد السلام علي راشدي أكد أن « الجميع يعلم أن 90 % من المجاهدين القدامى هم مزيفون (الوطن، 12 دجنبر 2015).
تم تخصيص مقاطع طويلة لتصفية الحسابات داخل الجيش –الذي أطلق عليه « الميليشيا الإنكشارية– من خلال الإدانات التي هي في المقام الأول تعهدات تعطى للشارع.
منذ وفاة الجنرال قايد صالح، توالت عمليات التطهير وتصفية الحسابات مع المقربين من هذا الجنرال الذي عرف بأنه أحد أكثر الضباط فسادا في الجيش. ويقود عملية التطهير الحالية رئيس الأركان الجديد الجنرال سعيد شنقريحة. وقد قام هذا الأخير بفصل مائة وخمسين ضابطا وتقديمهم للمحاكمة، بينهم عدة جنرالات، فضلا عن العشرات من كبار الموظفين والوزراء. ولكن، بما أن البعض يتهمه بأنه ضالع في التهريب، فإن الأيام ستكون صعبة على المقربين منه عندما يغادر دار الفناء...