بدا التصريح في بداية الأمر أمرا لا يصدق. لكن التراجع كان سريعا للغاية. ففي مقابلة مطولة مع قناة الجزيرة، تم بثها هذا الأسبوع في بودكاست « ذوو الشأن » على منصة « أثير »، وأجرته معه بطبيعة الحال خديجة بن قنة، الصحفية الجزائرية سيئة السمعة و« صديقة » النظام، قدم لنا أحمد عطاف موقفا مذهلا بشأن مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر.
رئيس الديبلوماسية الجزائرية، الذي كان يجلس مرتاحا على كرسي مخملي، أمام ديكور يوحي بالهدوء والسكينة، ويتحدث باللغة العربية الفصحى، بدأ في إعادة تشكيل العالم كما يشاء وحاول أن يصور حكمة وعظمة بلاده، وهو أمر لا يتناسب البتة مع الحقائق. ولكن لندع هذا الأمر جانبا.
غير أن مفاجأة أحمد عطاف هي عندما تحدث عن علاقات بلاده مع المغرب. ماذا يقول حرفيا؟ « فيما يتعلق بعلاقاتنا مع المغرب، ينبغي اعتبار الجزائر الطرف الذي يميل إلى إيجاد حل. ونحن واعون، مثل بلدان أخرى في المنطقة، أن بناء اتحاد المغرب العربي وأن الأخوة بين شعوبه لا تزال ممكنة ». وعندما سئل عطاف عما إذا كان هذا الحلم لا يزال قائما، أجاب دون أن يرف له جفن: « بطبيعة الحال ». وواصل قائلا: « لا يمكن تدمير هذا الحلم ». « وأنا أتطلع إلى اليوم الذي سنحاول فيه مرة أخرى ». وفي انتظار ذلك، « دورنا هو تهيئة الطريق. ونحن جاهزون ».
هذه الجملة وغيرها انتشرت في هيئات التحرير وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث بدت التصريحات جديدة وتوحي باتخاذ خطوات ملموسة وواعدة. الجزيرة بحرفيتها وضعت بصمتها عليها من خلال الإعلانات التشويقية والمقتطفات القوية. ولكن، كما كان متوقعا، تضاءلت بسرعة حماسة بعض المعلقين، وخاصة الجزائريين.
دائرة جهنمية
وفي « توضيح » وزعته الطغمة العسكرية على وسائل الإعلام الجزائرية التابعة لها، نعلم أنه على الرغم من تصريحاته، لم يتحدث أحمد عطاف في أي وقت من الأوقات عن أي رغبة للجزائر في « البحث عن حل سريع » للأزمة الجزائرية-المغربية. ولأولئك الذين ما زالوا يشككون في ذلك، نعلم أيضا أن الجزائر « لن تتخذ الخطوة الأولى أبدا ». سنعود إلى ذلك.
إقرأ أيضا : بالفيديو: جنرالات الجزائر يُحرّكون قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة لإضعاف تبون
ما الذي حدث لأحمد عطاف حتى يخرج عن عقيدة النظام الذي يغذيه، ويتصرف وكأنه دبلوماسي « حقيقي »؟ « من الواضح أن رئيس الدبلوماسية أراد التلميح أنه إذا كانت هناك أزمة بين الجزائر والمغرب وإذا كان هناك تأخير في بناء الفضاء المغاربي، فإن الخطأ لا يقع بالضرورة على الجانب الجزائري »، بحسب ما ورد على وجه الخصوص في موقع « ألجيري باتريوتيك » (Algérie patriotique)، البرافدا مكررة وصوت النظام العسكري (الحقيقي) الذي يملكه الجنرال خالد نزار، والذي يحاكمه نظام العدالة السويسري بتهمة ارتكاب الجديدة والناطقة باسم النظام العسكري (الحقيقي) والتي هي في ملك خالد نزار المتابع من قبل القضاء السويسري من أجل ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إذا قرأنا بتمعن، يطلب منا أن نصدق أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية لم يقل ما قاله بالفعل.
كيف يمكن أن نفسر خرجة أحمد عطاف على قناة الجزيرة، والتي سرعان ما أخمدتها الطغمة الحاكمة؟ هل هي بالون اختبار للتودد للمغرب الذي يسجل نقاطا ثمينة في ملف الصحراء، الذي أصبح الآن نقطة محورية للتنمية المستقبلية لكل منطقة غرب أفريقيا والساحل؟ أم أنها مجرد خطأ جديد لوزير لم يعد يعرف على أي رجل يرقص، ولا شك أن الجو المريح للمكان سمح له بأن يبدي بعض التعاطف؟
« الخطوة الأولى؟ »
هناك شيء واحد مؤكد: أن العمل التواصلي الذي قامت به القناة القطرية فاشل تماما، لأن مثل هذه الخرجة يجب أن تكون متماسكة. ومن خلال إهانة وزيرها بهذه الطريقة، تقدم الطغمة العسكرية الدليل على رعونتها وقلة احترامه للقواعد الدبلوماسية الأساسية. نظام يسير على غير هدى، وفقا للمزاج المتقلب لقادته، ولا يتردد في إخراج نفس الأسطوانات القديمة المشروخة من قبيل أن المغرب، هذا الغول المحتل، حليف الشيطان الإسرائيلي الأكبر، وصديق الشيطان الإماراتي. هؤلاء كلهم يتآمرون لزعزعة استقرار الجزائر الطيبة والضعيفة، ولكنها الجزائر الشجاعة.
وبالحديث عن « الخطوة الأولى » التي لن تقوم بها، يبدو أن الطغمة العسكرية تتناسى عن عمد أن المغرب قام ولم يتوقع عن القيام بخطوات من أجل تهدئة العلاقات مع جاره وإحياء الاتحاد المغاربي الذي يحتضن مقره. وفي المغرب، في عهد الراحل الحسن الثاني، جرت المحاولة الجادة الأولى والوحيدة لبنائه.
كان ذلك يوم 17 فبراير 1989، في مراكش، عندما وقع رؤساء دول الاتحاد المغاربي الخمسة على المعاهدة التأسيسية له. الجزائر، من جهتها، واصلت إغلاق أبوابها واحدا تلو الآخر، وعسكرت حدودها البرية منذ 30 عاما، بل وأقدمت على قطع علاقاتها الدبلوماسية من جانب واحد مع المملكة منذ غشت 2021. واليد الممدودة إلى الجارة من قبل الملك محمد السادس وفي مناسبات عديدة وفي خطاباته الرسمية، مثل دعوته لوضع حد لجمود الاتحاد المغاربي، يرفض النظام الجار الاستماع إليها، ويفضل ترديد أسطوانات زمن آخر.
عندما يتحدث أحمد عطاف عن اليد الممدودة، فهو يحصرها فقط في المساعدة الذي حاولت الجزائر تقديمها للمغرب بعد زلزال 8 شتنبر الماضي. وأمام صحافية لجزيرة، شعر بالاستياء من رفض المغرب للمساعدة، مفضلا مساعدات أربع دول بالتحديد (الإمارات العربية المتحدة وقطر وإسبانيا والمملكة المتحدة). « لقد تم تكليفي بالاتصال بنظيري المغربي ناصر بوريطة لتقديم التعازي نيابة عن الجزائر والتعبير عن استعدادنا للمساعدة. لم يرد على مكالمتي وحتى يومنا هذا لم يرد عليها. وبالتالي لا توجد إرادة سياسية أو حسن نية من جانب السلطات المغربية ».
كيف يمكن لدولة ذات سيادة أن تقبل مثل هذا « العرض »، القادم من دولة تستمر في الإعلان صراحة عن عدائها وتدير ظهرها للمقترحات الجادة والمهمة؟
هذا ما يسميه المغاربة « إخفاء الشمس بالغربال »، وفي هذا الصدد، لا شك أن للنظام الجزائري دروسا يقدمها للعالم.