من بين كل مناورات جبهة البوليساريو وراعيتها الجزائر ضد الوحدة الترابية للمغرب وسيادته على صحرائه، فإن الهجمات المسلحة ضد السكان المدنيين في قلب الأقاليم الجنوبية تشكل جريمة مدانة. لدرجة أن المجتمع الدولي بدأ ينتبه لذلك ويعبر عن قلقه. اثنتان من هذه الأعمال الإرهابية شكلتا صدمة بشكل خاص. يتعلق الأمر بهجمات ضد المدنيين شنتها البوليساريو يوم 28 أكتوبر في مدينة السمارة وفي 4 نونبر غرب الجدار الدفاعي. وأدت الأولى إلى مقتل مدني وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطرة، في حين لم تتسبب الثانية في وقوع إصابات.
وهكذا، أدان البرلمان الأوروبي هذه «الهجمات الإرهابية»، وفق ما أكدته صحيفة «لا فانغوارديا» الإسبانية. ونقرأ فيها أن «جبهة البوليساريو نفسها أعلنت مسؤوليتها عن هذه الهجمات من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بعد أيام قليلة من وقوعها».
وذكرت اليومية الإسبانية أنه، من خلال سؤال برلماني مكتوب موجه إلى المفوضية الأوروبية، أدان البرلمان الأوروبي والوزير الفرنسي السابق تييري مارياني الهجمات وشدد على «الخطر الذي تشكله البوليساريو على استقرار المنطقة»، والذي «من شأنه أن تكون له تداعيات سلبية على دول الاتحاد الأوروبي».
وشدد مارياني في سؤاله على «الروابط بين جبهة البوليساريو والجماعات الإرهابية الإسلامية». وفي هذا الصدد، أكد السؤال البرلماني أن «مؤسس الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، عدنان أبو وليد الصحراوي، كان مناضلا في صفوف جبهة البوليساريو».
ومن جهة أخرى، فإن مبادرة الوزير الفرنسي السابق تسلط الضوء على حقيقة أن جبهة البوليساريو تتلقى مساعدات إنسانية من الاتحاد الأوروبي والموجهة لمخيمات اللاجئين في تندوف (الجزائر)، والتي «تراقبها البوليساريو نفسها وتديرها بشكل كامل وحصري». وهكذا، فإن البرلمان الأوروبي يحث المفوضية الأوروبية على إعادة النظر وإعادة تقييم هذه النقاط. وقال: «يجب على المفوضية الأوروبية الآن تقديم رد مكتوب على هذا السؤال في غضون ستة أسابيع كحد أقصى».
يشار إلى أن أربعة مقذوفات متفجرة أصابت، ليلة 28 إلى 29 أكتوبر الماضي، أحياء مدنية بمدينة السمارة، جنوب المغرب، وخلفت قتيلا و3 جرحى، بينهم اثنان في حالة خطرة، فضلا عن الخسائر المادية.
ومع البيانات الصحفية اليومية والأعمال العدائية المسلحة منخفضة الحدة على طول الجدار الدفاعي، لم تعد جبهة البوليساريو تخفي عودتها إلى «الكفاح المسلح» منذ أن قررت، يوم 13 نونبر 2020، خرق وقف إطلاق النار من جانب واحد الموقع بينها وبين الأمم المتحدة سنة 1991. إذا كانت تهديدات الجبهة حتى الآن لم يكن لها أي صدى يذكر، أو حتى تأثير على الأرض، فيبدو أن الجبهة ترغب في تصعيد هجماتها من خلال استهداف السكان المدنيين هذه المرة.
وفي ما يتعلق بالسمارة، فإن أحد الدلائل التي تشير إلى ضلوع البوليساريو في الهجمات الجبانة ضد السكان المدنيين هو على وجه التحديد الإعلان الرسمي من قبل الجماعة الانفصالية نفسها عن تبينها من خلال «بيانها الحربي رقم 901». وتؤكد فيه الميليشيا الانفصالية أنها نفذت هجمات مسلحة على مدينة السمارة -التي سمتها في البيان- وتسببت في وقوع ضحايا. وهناك عنصر آخر يدينها: الصمت المريب لجبهة البوليساريو، في حين تصدر تبينها لهذا الهجوم عناوين الصحافة العالمية. ونشرت عشرات المقالات معلومات تتعلق بهذه الهجمات وتبينها من قبل الجبهة. والتزمت البوليساريو الصمت ولم ترد. بل الأكثر من ذلك، أن الجبهة أطلقت، يوم الجمعة الماضي 15 دجنبر، أربع قذائف على مدينة أوسرد، الواقعة قرب الحدود مع موريتانيا، على بعد 350 كيلومترا من مدينة الداخلة، بحسب وسائل الدعاية التابعة لها.
إن المغرب، في إطار دولة القانون، يدعو إلى الحكمة وضبط النفس. وقد فتحت النيابة العامة المختصة بالعيون تحقيقا، وتجري حاليا التحليلات التقنية والباليستية لتحديد طبيعة المقذوفات ومصدرها. وبمجرد تحديد المسؤوليات، سيتم تطبيق القانون بكل صرامة.
في غضون ذلك، وفي إطار التحقيق في هجمات السمارة، توجه فريق من بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، بقيادة رئيسها ألكسندر إيفانكو، إلى الرباط. وأعد تقريرا في الموضوع تم إرساله إلى مقر الأمم المتحدة قبل تقديمه إلى مجلس الأمن. تمكنت البعثة، التي أخبرت من طرف السلطات مباشرة بعد الانفجارات، من تحديد موقعها الدقيق: حي السلام، حيث وقع انفجاران، وحي الوحدة، التي كانت مسرحا لانفجار، والحي الصناعي الواقع على مشارف المدينة.