كيف تجنبت الجزائر عمدا جامعة الدول العربية في صناعة «القضية الصحراوية»؟

Jillali El Adnani.

الجيلالي العدناني

في 31/08/2025 على الساعة 19:18

مقال رأيتكشف برقيات من الجزائر ومذكرات ماتينيون عن جوهر استراتيجية مدروسة: تجنب الفضاء العربي، والاستفادة من منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة، واستخدام جبهة البوليساريو كواجهة. وشهدت الفترة من 1978 إلى 1979 اللحظة التي غلبت فيها خرافة «النجاح الحقيقي» على الواقع.

الجزائر، البارعة في فن المقابلة –سواء تعلق الأمر بربط «القضية الصحراوية» بالقضية الفلسطينية، أو وضع «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» الوهمية في مقابلة منظمة الوحدة الإفريقية- ولكنها بقيت بلا صوت داخل جامعة الدول العربية، حيث لا يزال الخطاب الجزائري-البوليساريو غير مسموع، تجد نفسها الآن، بعد أن عجزت منذ عام 1978 عن إتقان محاور القضايا الصحراوية المختلفة، تواجه مأزق بنائها الأيديولوجي: وهم تقرير المصير. تؤكد تقارير السفير الفرنسي في الجزائر، جون ماري ميريون (Jean-Marie Mérillon)، ومذكرات سرية لمكتب الوزير الأول ريموند بار (Raymond Barre) في باريس تتناول قضية الصحراء المغربية، أن عامي 1978-1979 شكلا فترة حرجة، بل نقطة اللاعودة، في مسار الدبلوماسية الجزائرية.

أصداء منظمة الوحدة الإفريقية وتجاهل الدول العربية

سواء خلال حرب الرمال عام 1963 أو نزاع الصحراء المغربية الذي بدأ عام 1975، رفضت الجزائر باستمرار معالجة نزاعاتها مع المغرب في الإطار المغاربي أو في القمم العربية. نقلت قضية الحدود الجزائرية المغربية، التي بدأت في إطار منظمة الوحدة الإفريقية، تدريجيا إلى المستوى الإقليمي، لكن الجزائر نجحت في إقبارها من خلال سلسلة من المناورات الخفية والخبيثة في إطار «حسن الجوار والتعاون الاقتصادي».

في ما يتعلق بقضية الصحراء، حصرت الجزائر ودميتها، جبهة البوليساريو، النقاش في الهيئات الإفريقية والأممية، متجاهلتين عمدا الإطار العربي. وأشار السفير الفرنسي في الجزائر، جون ماري ميريون، في تقاريره إلى ما يلي:

«على الصعيد العربي، حرص وزير الخارجية الجزائري، السيد بن يحيى، على عدم إثارة مشكلة الصحراء -التي يعتبرها البعض نزاعا جزائريا مغربيا- في تونس خلال المؤتمر الوزاري». (1).

أكد جون ماري ميريون هذا الواقع في وثيقة أخرى بتاريخ 16 نونبر 1979، عندما نقل كلام وزير الخارجية الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة:

«حددت الدبلوماسية الجزائرية لنفسها هدفين في هذه اللحظة: احتواء تونس (القمة العربية)، والاستفادة من مونروفيا. منذ صباح اليوم، يبذل وزير الخارجية، إلى جانب نظرائه العرب، قصارى جهده لحصر النقاش داخل القمة (في تونس) حول لبنان والقضية الفلسطينية، وتصريف النقاشات عن المشكلة الصحراوية، والبحث (ربما من الجانب السوري) بين القادة عن بعض الدعم للصحراويين». (1).

تكشف هذه اللعبة المزدوجة عن استراتيجية الجزائر: تسليط الضوء على القضية الفلسطينية لتقديم نفسها كموحدة للعالم العربي والإسلامي، مع حصر قضية الصحراء في الإطار الإفريقي، بينما يظل ينظر إليها في العالم العربي على أنها نزاع جزائري-مغربي بحت. العواصم العربية، التي تدرك هذه الاستراتيجية، لم تنجذب قط إلى المخطط الجزائري. وهذا ما يفسر الفشل المتكرر لمحاولات الوساطة التي قادتها شخصيات بارزة مثل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، أو القادة السعوديين، أو ياسر عرفات باسم منظمة التحرير الفلسطينية.

في تقريره الدبلوماسي، لخص السفير الفرنسي في الجزائر هذا المأزق بعبارات لا لبس فيها: «كان هدف كلا الجانبين محاولة حل النزاع الجزائري المغربي على الصحراء من خلال السعي إلى تعزيز التواصل المباشر بين الشاذلي والحسن الثاني. باءت هذه الجهود بالفشل، ويعود ذلك بلا شك إلى إرادة الجزائر». (1).

عملية هواري بومدين: الحرب التي شنت من تندوف

بسبب انخراطها العميق في القضية الصحراوية، أصرت الجزائر على تصوير النزاع على أنه نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو. لكن الواقع مختلف تماما: فقد كانت الجزائر، وكذا ليبيا حتى عام 1981، هما اللتان قدمتا الجزء الأكبر من الدعم اللوجستي والمالي والدبلوماسي للحركة الانفصالية الصحراوية.

وقد كان هذا الدعم مهما، حيث كانت جبهة البوليساريو مجهّزة بترسانة عسكرية متطورة، بما في ذلك صواريخ سام 6 أرض-جو الرهيبة. وقد فاقت هذه القدرة بكثير إمكانيات حركة تقود حرب عصابات قبلية. وأكد السفير الفرنسي في الرباط، جون برنار ريموند (Jean-Bernard Raymond)، في مذكرة مؤرخة في 29 يناير 1976، بدون مواربة المصدر الخارجي لهذه القوة الكبيرة التي تتمتع بها البوليساريو:

«التدخل الأجنبي في قضية الصحراء: لن يقتنع أحد بأن استخدام هذه الأسلحة، التي تتطلب تدريبا تقنيا متقدما وممارسة طويلة، من صنع عناصر صحراوية تابعة لما يسمى بالبوليساريو». (2).

ثم أعد السفير الفرنسي في الجزائر، جون ماري ميريون، تقريرا عن «عملية هواري بومدين» التي شنت ضد المغرب عقب وفاته. وحسب قوله، كانت درجة استقلال البوليساريو عن الجزائر معدومة. يصف تقريره أيضا المناطق الصحراوية التي كانت تسيطر عليها البوليساريو آنذاك بأنها غير ذات أهمية، إذ ظلت النقاط والأراضي الرئيسية تحت السيادة المغربية:

«تقع القيادة العسكرية لجبهة البوليساريو، في الملاذ الآمن، في تندوف، على الأراضي الجزائرية. وهناك تتمركز القوة القتالية الرئيسية للبوليساريو، حيث تتلقى التدريبات. وهناك يقع مركز إمدادها الرئيسي وأجهزة إرسالها اللاسلكية، العسكرية والمدنية على حد سواء (ولا سيما إذاعة صوت الصحراء الحرة). وهناك، قبل كل شيء، انسحبت العائلات والقطعان، مما جعل الأعمال الانتقامية ضد المخيم (السلاح الأعظم في حرب الصحراء) مستحيلة، ومن ثم منح مقاتلي الركيبات شعورا بالحصانة. وهذا، في الواقع، أحد المفاتيح الأساسية للنظام». (3).

يبرز هذا النص أن تندوف، على الأراضي الجزائرية، ليست ملجأً إنسانيا للبوليساريو فحسب، بل تشكل أيضا قلب جهازها العسكري. هناك تتركز قيادتها، وفيلقها القتالي، وبنيتها التحتية للتدريب. يتساءل السفير الفرنسي عن مفهوم «الامتلاك» أو السيادة الترابية في فضاء صحراوي، وهو سؤال يعكس المعضلة المحورية للصراع: من يسيطر على الصحراء حقا؟ من يجوب فيافيها أم من يسيطر على محاورها الحيوية؟

«ولكن ماذا يعني فعل «يتملك» عندما يتعلق الأمر بالصحراء؟ هل الامتلاك، أو السيادة، في منطقة من هذا النوع تنبع من السيطرة على الفضاء (التي يملكه الصحراويون) أم على النقاط الأساسية (التي لا يزال معظمها خاضعا للمغاربة)؟ وفضلا عن ذلك، ما هو مستوى استقلال جيش التحرير الشعبي الصحراوي؟ من يزوده بالسلاح تحديدا؟ من يحدد استراتيجيته؟ ما هو الدور الحقيقي للجزائر؟ وما دور ليبيا؟ وما دور كوبا المحتمل؟ وما دور الدول الاشتراكية الأخرى؟ هذه أسئلة جوهرية لتحليل الحركة الصحراوية، وهي الأسئلة التي ستحاول هذه السفارة الإجابة عليها لاحقا». (3).

وهم حركة التحرير وواقع مشروع توسعي جزائري

تكشف مذكرات سرية صادرة عن ديوان الوزير الأول الفرنسي أن قضية البوليساريو جزء من استمرارية تاريخية لانشقاق قبلي، هو انشقاق قبيلة الركيبات، المتجذرة في الجزائر. وقد دأبت هذه الأخيرة على توظيف الركيبات ضد المكونات القبلية الأخرى في المنطقة:

«لا يملك الرحل الصحراويون زمام مصيرهم. محكوم عليهم بالخضوع للوصاية، في حين أنهم كانوا حريصين على استقلالهم (الاجتماعي)، أصبحوا، بالنسبة لمعظمهم، وسيلة، لا غاية، لصراعات خارجة عن سيطرتهم. أما الدول الصغيرة المستقلة المنغلقة تماما، فضلا عن كيان صحراوي كبير، فليس لديها سوى حظوظ ضئيلة للتشكل، وليست لديها القدرة على الصمود والبقاء». (4).

تلقي هذه الملاحظة الضوء على طبيعة البوليساريو: مجرد أداة في يد الجزائر، التي تتلاعب بالركيبات لتحويلهم إلى حركة مسلحة ضد المغرب. يتناول التقرير بوضوح التكوين العسكري والأيديولوجي الذي مارسته الجزائر:

«على النقيض من ذلك، تمجد الجزائر خصوصية الركيبات. فالتلقين السياسي الذي تخضع لها اللاجئين يضفي عليهم جاذبيةً خاصة، إذ يلبي تطلعاتهم القتالية التقليدية. كما أنهم يشكلون الجزء الأكبر من قوات البوليساريو التي تستخدمها الجزائر لتوجيه ضربات للمغرب وموريتانيا بذريعة حرب شنت من أجل استقلال الأراضي الإسبانية السابقة في الصحراء. لذا، يرتبط مصير الركيبات بمصير الصراع في الصحراء وقرارات الحكومة الجزائرية». (4).

وأكد السفير الفرنسي في الجزائر، جون ماري ميريون، هذه الحقيقة. ففي تقريره الصادر في 22 دجنبر 1979، بعنوان: «الجزائر والصحراء الغربية»، سلط الضوء على البعد الداخلي للقضية الصحراوية وثقل «خط بومدين» في السياسة الجزائرية. كان استنتاجه كان قاطعا:

«إن التظاهر بالتراجع عن هذا «الإنجاز» (الاعترافات التي راكمتها البوليساريو) سيكون غير مفهوم لكثير من الجزائريين. سيصرخ البعض فورا بأن الأمر خيانة لـ«خط بومدين». هناك بعد جزائري خاص لمشكلة الصحراء يجب ألا يستهان به». (5).

هذه الرسالة، الموجهة إلى نظرائهم الدبلوماسيين، والتي ظلت سرية لفترة طويلة قبل رفع السرية عنها مؤخرا، يراد تقديمها أيضا إلى الأمم المتحدة وبعثة المينورسو. ستجد فيها هذه الأجهزة العناصر اللازمة لمعرفة الطبيعة المصطنعة للنزاع وإثبات المسؤولية المباشرة للجزائر، التي، للمفارقة، تقدم نفسها على أنها مناهضة للنموذج الاستعماري ووريثته في آن واحد.

(1) برقية من السفير الفرنسي في الجزائر، بتاري 4 أكتوبر 1979، بعنوان «النزاع الجزائري المغربي، المبادرات العربية». الأرشيف الدبلوماسي لاكورنوف، صندوق 957، الصحراء، المغرب، الجزائر، 1979.

(2) جون برنار ريموند، السفير الفرنسي في الرباط، مذكرة بتاريخ 29 يناير1976؛ لاكورنوف، وزارة الخارجية، المغرب، الصحراء، 1972-1982، صندوق 965.

(3) برقية رقم 2423/26، بعنوان «البوليساريو، تقييم الوضع العسكري»، الجزائر، 11 أكتوبر 1979. الأرشيف الدبلوماسي لاكورنوف، صندوق 957، الصحراء، المغرب، الجزائر، 1979.

(4) مذكرة من ديوان الوزير الأول ريموند بار، بعنوان «رحل الصحراء»، 18 شتنبر 1978. الأرشيف لاكورنوف، وزارة الخارجية، المغرب-الصحراء الغربية، 1972-1982، صندوق 965.

(5) السفارة الفرنسية في الجزائر، الشؤون السياسية، «الجزائر والصحراء الغربية»، الجزائر، 22 دجنبر 1979. الأرشيف الدبلوماسي لاكورنوف، صندوق 957، الصحراء، المغرب الجزائر، 1979.

تحرير من طرف الجيلالي العدناني
في 31/08/2025 على الساعة 19:18